ومن لا تكفيه هذه البراهين العجيبة وهذه الدلائل العظيمة يكن أمره غريبا ومستهجنا. وقد قيل أيضا في معنى يعدلون : أن الكافرين يساوون بينه جلّ شأنه وبين الأوثان التي يعبدونها من دونه رغم هذه الآيات البيّنات. وفي الاحتجاج عن الصادق عليهالسلام «في حديث له حول نزول هذه الآية الكريمة» أنها ردّ على ثلاثة أصناف :
«فلما قال سبحانه : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ، كان رداّ على الدهرية» الذين قالوا إن الأشياء لا بدو لها وهي قائمة ولا تزال ثابتة. «ولما قال : (جَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) ، كان رداّ على الثنوية» الذين زعموا أن النور والظلمة هما المدبّران للعوالم. ثم قال تعالى : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) فكان رداّ على مشركي العرب الذين اتخذوا من أوثانهم آلهة.
٢ ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ...) يستفاد من لفظة : من ، أنه تعالى يشير إلى بدء خلقنا ، فنحن من آدم عليهالسلام وآدم من طين ونحن كذلك بواسطته بحسب قياس المساواة ، فتساوينا معه. غاية الفرق أنه عليهالسلام قد خلق من طين أولا وبالذات ، وأننا ـ نحن ـ خلقنا كذلك ثانيا وبالعرض (ثُمَّ قَضى أَجَلاً) أي حتم وقتا معيّنا. فعن ابن عباس أن الأجل هو من مولد الإنسان إلى موته (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) قيل إنه وقت ما بين الممات إلى البعث فإنه لا يعلم ميقاته أحد سواه. ومعنى : مسمّى أنه معلوم عنده لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ في السماء. ولا يملك أمر الخلق والحكم إلّا هو جلّ وعلا (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) أي تشكّون ولا تجزمون وتقطعون بأن الله تعالى إلهكم وخالقكم وباعثكم غدا من قبوركم بعد أن توفاكم وعيّن ميقات بعثكم. أفي الله شكّ فاطر السموات والأرض ، وهو بارئكم من بدء خلقكم ، ورازقكم وكافل حياتكم؟. فالله سبحانه يتعجب من إنكارهم لربوبيّته وللبعث ، ومع وضوح دلائل وجوده ووحدانيته ، ومع ظهور أمر البعث إذ لا تصعب الإعادة على من قدر على الابتداء والإيجاد من العدم وإنكارهم يكشف عن قلة تدبّرهم وضعف