سبب وصنع (١) في القرآن صفة على حدة ؛ فقوله : (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (٢) يقول : ربّ (٣) الملك العظيم ، وقوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٤) يقول : على الملك احتوى ، وهذا حكم الكيفوفيّة في الأشياء.
ثمّ العرش في الوصل مفرد (٥) عن الكرسي ، لأنّهما بابان من أكبر أبواب الغيوب ، وهما جميعا غيبان ، وهما في الغيب مقرونان ؛ لأنّ الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ، ومنها الأشياء كلّها ، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحدّ والمشيئة وصفة الإرادة وعلم الألفاظ والحركات والترك وعلم العود والبدء فهما في العلم بابان مقرونان ؛ لأنّ ملك العرش سوى ملك الكرسي ، وعلمه أغيب من علم الكرسى ؛ فمن ذلك قال : (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) أي صفته أعظم من صفة الكرسي ، وهما في ذلك مقرونان».
قلت : جعلت فداك ، فلم صار في الفضل جار الكرسي؟ قال : إنّه صار جاره لأنّ علم الكيفوفيّة فيه ، وفيه الظاهر من أبواب البداء وإنّيّتها ، وحدّ رتقها وفتقها ، فهذان جاران ، أحدهما حمل صاحبه في الظرف ، وبمثل صرف العلماء ، وليستدلّوا على صدق دعواهما ؛ لأنّه يختصّ برحمته من يشاء وهو القويّ العزيز». (٦)
أقول : قوله ـ عليهالسلام ـ : «لأنّ الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب» إلى آخره ، قد عرفت الوجه فيه إجمالا ؛ فمرتبة العلم المقدّر المحدود أقرب إلى
__________________
(١). في المصدر : «وضع»
(٢). التوبة (٩) : ١٢٩.
(٣). في المصدر : ـ «ربّ»
(٤). طه (٢٠) : ٥.
(٥). في المصدر : «متفرّد»
(٦). التوحيد : ٣٢١ ، الحديث : ١.