أقول : ويظهر من ضمّ الرواية الثانية إلى الاولى : أنّ في العلم مرتبة غير محدودة ، وظاهر أنّ عدم التقدير ليس من حيث الكثرة العدديّة في المعلومات ؛ إذ كلّ عدد يدخل في الوجود ـ فهو محدود ؛ لكونه أقلّ من الزائد عليه بواحد ، ولو كان كذلك كان الكرسي بعض العرش أو عينه بوجه ، فهو علم غير مقدّر بقدر ؛ من حيث كون المعلوم غير متناه من غير جهة العدد ، بل من حيث كمال الوجود ، فينطبق على قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (١) وسيجيء شرحه إن شاء الله.
والأشياء بحسب وجوداتها الخارجيّة معلومة له تعالى ؛ أي أنّ أنفسها نفس العلم كما سيجيء في ذيل قوله تعالى : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) (٢) فبين عالم الأجسام ـ وهو عالمنا ـ وبين هذه الموجودات الغير المتناهية ـ التي هي خزائن الغيب ـ مرتبة من العلم مقدّرة بالأقدار محدودة بتناهي الوجود ، وهي الكرسي.
وهو المستفاد من قوله سبحانه : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) حيث جعل المعلوم ما بين أيديهم وما خلفهم ، وهو أمر غير مجتمع الوجود في هذه النشأة ، فهناك مقام يجتمع فيه وجود المتفرّقات الزمانيّة ، وليست وجودات غير متناهية الكمال ، وإلّا لم يصحّ الاستثناء من الإحاطة ، فهو مقام يمكن لهم أن يحيطوا ببعض ما فيه.
وفي التوحيد عن حنّان قال : «سألت أبا عبد الله ـ عليهالسلام ـ عن العرش والكرسي ، فقال ـ عليهالسلام ـ : إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة ، له في كلّ
__________________
(١). الحجر (١٥) : ٢١.
(٢). يونس (١٠) : ٦١.