العشواء تخبط وتمشي في غير استواء.
والذي يأكل الربا مثله في معاملاته مثل هذا الممسوس ؛ فهو لا يريد أصول أحكام المعاملات ، وإنّما يريد استفادة شخصه بالمعاملة كيف كانت ؛ ولذلك علّله سبحانه بقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) ولم يقل : إنّما الربا مثل البيع ، مع أنّ مقتضى الظاهر ذلك ؛ وذلك أنّ الممسوس المجنون يسلك في العاديّات سلوكا غير عادي لا بالعكس ؛ فمن حاله كحاله يتلقّى البيع مثل الربا لا بالعكس ، ولذلك أردفه بفرق الموردين ، فقال تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا).
ولكون خبطهم في المعاملة دون سائر جهات الحياة ـ بل فيما هو العمدة من بين أسباب انتظام العيش ـ أورد البيان بلفظ القيام دون المشي ، كما في قوله : (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) (١) وذلك أنّ القيام والسقوط يكنّى بهما عن انتظام الحياة الاجتماعيّة وعدمه ، ولكون المعاملات والمبادلات في لوازم الحياة هي الناظمة لشتات الحياة عبّر عنها بالقيام ، فآكل الربا في قيامه كمن يتخبّطه الشيطان من المسّ لا يدري كيف يقوم ؛ فيريد القيام على رأسه وجنبه والقيام إنّما يستوي على ساق ، هذا.
وفي تفسير القمّي عن الصادق ـ عليهالسلام ـ قال : «قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : لمّا اسري بي إلى السماء رأيت قوما يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر أن يقوم من عظم بطنه ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون الربا ، لا يقومون إلّا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ ،
__________________
(١). الأنعام (٦) : ١٢٢.