يشير إلى أنّ إنزال الكتب ، وكذلك كفر الكافرين بها وبالقرآن خاصّة جميعا من القدر ، وليس شيء منها خارجا عن حيطة الربوبيّة ودائرة الملك والتدبير الإلهي ، ولذلك صدّرها بقوله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ).
وقد عرفت في الكلام في ذيل آية الكرسي أنّها مشتملة على علم القدر ، فراجع.
ولذلك أيضا ختم الآيات الأربع بقوله : (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ ،) ثمّ أردفها بقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ) ، على ما سيجيء بيانه ، وختم السورة بقوله : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ). الآيات.
فتبيّن من ذلك كلّه أنّ عمدة الغرض في السورة بيان حال أهل الكتاب ، ومن يلحق بهم في اعتدائهم وتجافيهم عن الحقّ ، وأنّ ذلك كلّه من القدر.
قوله سبحانه : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ)
قد عرفت أنّ الفرق بين الفرقان والقرآن أو الكتاب ، أنّ الفرقان هو : المحكم الواجب العمل به ، والقرآن : جملة الكتاب المقروء ، وأنّ اللفظ يساعد على ذلك. قال في الصحاح : كلّ ما فرّق به بين الحقّ والباطل فهو فرقان ، (١) إنتهى. وقد مرّت الروايات في هذا المعنى ، (٢) وحينئذ فتكرار معنى قوله : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) بقوله : (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) ، مشعر بأنّ الذي يحاذي به التوراة والإنجيل من القرآن هو الفرقان ، والمحكم منه ، كما أنّ التوراة كذلك ، قال سبحانه : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ) (٣) وكذلك الإنجيل ، فالتوراة
__________________
(١). الصحاح ٤ : ١٥٤١.
(٢). التوحيد : ٢١٧ ؛ تفسير القمّي ١ : ٢٧٢.
(٣). البقرة (٢) : ٥٣.