من جهتها وبالرجوع إليها.
ثمّ إنّه سبحانه وصف المتشابهات بأنّ لها تأويلا يبتغيه أهل الزيغ ، وأيضا مرجعا ترجع هي إليه ، ونفى علمهم بالتأويل. ويظهر به أنّ التأويل غير كون المحكمات مرجعا لها ، إذ لو كانا جميعا واحدا لم يصحّ نفي العلم به عنهم ؛ إذ المحكمات يعرفها ويفهمها كلّ أحد من زائغ وراسخ ، فكون المحكمات امّ الكتاب غير كونها تأويل المتشابهات.
وأيضا قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ). في مقام الذمّ والتأنيب لهم في فعلهم هذا ، ولو كان تأويل المتشابه هو مضمون المحكم لم يصحّ عدّه انحرافا وزيغا عن طريق الصواب وذمّهم به. على أنّه لا معنى لاتّباع المتشابه والعمل به طلبا لمدلول المحكم ومعناه.
وأيضا لو كانت الامومة المذكورة والتأويل شيئا واحدا لكانت المحكمات تأويلا للمتشابهات وهو ينافي الظاهر من قوله سبحانه : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ* أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) ، (١) فإنّ سياق الآيات يفيد أنّ الذي كذّبوا به هو جملة القرآن ولم يأتهم تأويله بعد ، فللجملة تأويل دون المتشابه فقط.
ومثله قوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ* هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ
__________________
(١). يونس (١٠) : ٣٧ ـ ٣٩.