رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ). (١)
وسياق هاتين الآيتين أيضا كالآيات السابقة تفيد أنّ لجملة القرآن تأويلا سيأتي عند انكشاف الحجاب ، وقد نسي من قبل باشتغالهم بما كانوا يفترون.
وقد استقرب بعضهم (٢) من هذه الآيات أنّ المراد بالتأويل مصاديق ما أخبر به الكتاب العزيز ممّا سيحدث في المستقبل من تفاصيل وقائع البرزخ والقيامة ، نظير ما أخبر به تعالى في الروم بقوله : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ) ، (٣) فمصداقه تأويله ، وقد أخذوا التأويل من : آل يؤول ، إذا رجع ، وليس بصحيح على إطلاقه ، فليس كلّ مرجع تأويلا.
أمّا أوّلا ؛ فلأنّ ظاهر هذه الآيات عموم التأويل لجملة الآيات لا لخصوص ما أخبر فيها عن الوقائع المستقبلة ، على أنّ فنون الكلام الواردة في القرآن من حكمة وموعظة ومثل وحكم وقصّة ، كلّها يرجع إلى مرجع واحد.
سلّمنا ذلك ، لكنّ هذا اليوم الذي ذكره بقوله : (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) ، (٤) وصفه أيضا بقوله : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ، (٥) فأفاد أنّ وقوع ما أخبر به من وقائع الدار الآخرة من غير سنخ وقوع مفادات الأخبار في الدار الدنيا ، وأنّ غيبتها واستتارها عن الإنسان ثمّ مشاهدته لها من غير سنخ غيبة الامور المستقبلة في هذه الدار ، ثمّ معاينتها
__________________
(١). الأعراف (٧) : ٥٢ ـ ٥٣.
(٢). معجزة القرآن : ١٨ ؛ تاريخ الطبري ٦ : ٥٥٩ ؛ مجمع البيان ١٠ : ٤٦٥.
(٣). الروم (٣٠) : ٣ ـ ٤.
(٤). الأعراف (٧) : ٥٣.
(٥). ق (٥٠) : ٢٢.