وقوله سبحانه : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ)
مشعر بأنّ بين هذه الذرّيّة سببا متّصلا وحبلا متينا ممدودا ، هو الموجب لإفاضة هذا الإصطفاء ، والله سميع لأقوالهم ، عليهم بأفعالهم ، كما أشار إليه في آل إبراهيم بقوله : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ.) (١)
ونصب (ذُرِّيَّةً) وهي عطف بيان ، يدلّ على كون المصطفين منخرطين في سلك واحد من سلسلة متّصلة وذرّيّة واحدة ، فآل إبراهيم من ذرّيّة إبراهيم من نسل واحد ، والنبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ من آل إبراهيم وذرّيّته ، كما يدلّ عليه قوله سبحانه : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) ، (٢) وهذا القرع والتعيير ، لأهل الكتاب الذين هم في عهد النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، فالآية تدلّ على كون آل إبراهيم المذكورين هاهنا من غير بني إسرائيل ، وعلى كون النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ من آل إبراهيم ، وآل رسول الله منه ، فالنبيّ وآله من آل إبراهيم.
وأمّا قوله : (وَآلَ عِمْرانَ) فعمران هذا ، إمّا أبو موسى وهارون ـ عليهمالسلام ـ وهو ابن يصهر بن ناهث بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وإمّا أبو مريم ، وهو عمران بن ماثان ، ينتهي بسبعة وعشرين أبا إلى يهودا بن يعقوب ـ عليهالسلام ـ ، ويؤيّد ثاني الإحتمالين الآيات التالية ، وفيها ذكر امرأة عمران ومريم وابنها عيسى واصطفاء الله إيّاهما. على أنّ عمران أبا موسى لم يرد منه ذكر باسمه في سائر القرآن ، هذا.
__________________
(١). الزخرف (٤٣) : ٢٨.
(٢). النساء (٤) : ٥٤.