قوله سبحانه : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ).
لم يقيّده بإذن الله بخلاف ما سبقه من الآيات إذ توهّم الإختصاص بمقام الالوهيّة غير موجود فيه ، وهو ظاهر ، وبالضرورة يتجدّد فيه سياق عدّ الآيات ، ويعين على ذلك أنّ الآيات السابقة الذكر يمكن أن يرميها المستنكفون عن الإيمان بأنّها من السحر بخلاف الإنباء بما يصنعونه في خلواتهم عندهم من الأكل والإدّخار ولم يعدّه ضمن ما عدّه من الآيات في آخر سورة المائدة حيث يمتنّ على عيسى ـ عليهالسلام ـ ويقول : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) ، (١) كلّ ذلك مضافا إلى ما يشعر به السياق في قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أنّه وارد مورد الإقناع ، وأنّ ذلك يكفيكم آية إن كنتم مذعنين بالحقّ ، فاسم الإشارة يشير إلى الآية الأخيرة.
وإلى ما مرّ يشير ما في تفسير القمّي عن الباقر ـ عليهالسلام ـ : إنّ عيسى كان يقول لبني إسرائيل : إنّي رسول الله إليكم ، وإنّي أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وابرئ الأكمه والأبرص و ـ الأكمه هو : الأعمى ـ ، قالوا : ما نرى الذي تصنع إلّا سحرا ، فأرنا آية نعلم أنّك صادق ، قال : أرأيتكم إن أخبرتكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم ، يقول : ما أكلتم في بيوتكم قبل أن تخرجوا وما ادّخرتم بالليل تعلمون أنّي صادق؟ قالوا : نعم ،
__________________
(١). المائدة (٥) : ١١٠.