وثلاثين سنة حتّى طلبته اليهود وادّعت أنّها عذّبته ودفنته في الأرض حيّا ، وادّعى بعضهم : أنّهم قتلوه وصلبوه ، وما كان الله ليجعل لهم سلطانا عليه ، وإنّما شبّه لهم ، وما قدروا على عذابه ودفنه ولا على قتله وصلبه ؛ (١) لأنّهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيبا لقوله : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ) (٢) بعد أن توفّاه. (٣)
أقول : قوله «واستودعه» إلى آخره ، يصدّقه قوله تعالى : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ) ، ولم يقل : «من الكتاب».
وقوله : «فمسخ منهم شياطين» إلى آخره ، ليس في قصصه ـ عليهالسلام ـ في القرآن إشارة إلى ذلك ، لكنّه ممكن في نفسه ، فمن الجائز خروج الإنسان من القوّة إلى الفعل بالاستكمال في جانب الشرّ بالحركة الجوهريّة ، قال تعالى : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ). (٤)
وفي تفسير القمّي عن الباقر ـ عليهالسلام ـ قال : إنّ عيسى وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا إليه عند المساء وهم إثنا عشر رجلا ، فأدخلهم بيتا ، ثمّ خرج إليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء ، فقال : إنّ الله أوحى إليّ أنّه رافعي إليه الساعة ومطهّري من اليهود ، فأيّكم يلقى عليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي؟ فقال شابّ منهم : أنا يا روح الله! قال : فأنت هو ذا ، فقال لهم عيسى : أما إنّ منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي
__________________
(١). في المصدر : + «لقوله عزوجل : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، فلم يقدروا على قتله وصلبه»
(٢). النساء (٤) : ١٥٨.
(٣). إكمال الدين ١ : ٢٢٥ ، الحديث : ٢٠ ، تفسير الصافي ٢ : ٥٤.
(٤). الناس (١٤ آ) : ٤ ـ ٦.