ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلاذوا بها ، وانهزم أصحاب رسول الله هزيمة عظيمة وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كلّ وجه.
فلمّا رأى رسول الله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه وقال : إليّ أنا رسول الله ، إلى أين تفرّون ، عن الله وعن رسوله؟
وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر ، وكلّما انهزم رجل من قريش رفعت (١) إليه ميلا ومكحلة وقالت : إنّما أنت امرأة فاكتحل بهذا.
وكان حمزة بن عبد المطّلب يحمل على القوم ، فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له أحد ، وكانت هند [قد] أعطت وحشيّا عهدا : لئن قتلت محمّدا أو عليّا أو حمزة ، لأعطينّك كذا وكذا ، وكان وحشيّ عبدا لجبير بن مطعم حبشيّا ، فقال وحشيّ : أمّا محمّد فلا أقدر عليه ، وأمّا عليّ فرأيته حذرا كثير الالتفات فلا مطمع فيه ، فكمن لحمزة ، قال : فرأيته يهزّ الناس هزّا ، فمرّ بي فوطئ على جرف نهر فسقط ، فأخذت حربتي فهززتها ورميته [بها] فوقعت في خاصرته وخرجت من ثنّته (٢) ، فسقط فأتيته فشققت بطنه فأخذت كبده وجئت به إلى هند ، فقلت : هذه كبد حمزة ، فأخذتها في فمها فلاكتها فجعلها الله في فمها مثل الداعضة ، (٣) ـ وهي عظم رأس الركبة ـ فلفظتها ورمت بها. قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ : فبعث الله ملكا فحمله وردّه إلى موضعه. قال : فجاءت إليه فقطعت مذاكيره وقطعت اذنيه وقطعت يده ورجله.
__________________
(١). في المصدر : «دفعت»
(٢). الثنّة بالضم : «العانة».
(٣). في الاصل والمصدر : «الداعضة» ، وفي تفسير القمي والصافي : «الداغصة» ، وهو الصحيح ، وهو عظم مدور يديص ويموج فوق رضف الركبة. [لسان العرب ٤ : ٣٦٥].