فيختلفان بالضرورة بحسب السنخ والأحكام ، فالأرض لها نظام مادّي ومبادئ أحكامها الجسمانيّات على ما أودع الله فيها من الأحكام ، والحياة الدنيا وهي حياة الإنسان في الأرض ذو نظام مادّي يربطه بالإنسان الإرادة والمشيّة.
وأمّا الحياة الآخرة فنظامها نظام المشيّة ، قال سبحانه : (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) ، (١) وقال : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ) ، (٢) هذا في السعداء.
وقال سبحانه وتعالى : (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) ، (٣) وقال : (أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) ، (٤) إلى غير ذلك.
فالنشأة الاخرى يدور نظامها مدار الإرادة والمشيّة وحصول الإنسان على ما يشاؤه أو لا يشاؤه ، والفارق بين السعادة والشقاء هناك أنّ للسعيد ما يشاؤه وللشقيّ ما يكرهه ولا يشاؤه ، ولذلك لم يكن هناك تزاحم لا في حياة السعيد وسعادته ، ولا بين حياته وحياة الشقيّ ؛ إذ النسبة بينهما كنسبة العدم والملكة ، كما قال سبحانه : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) ، (٥) فالنسبة بينهما نسبة الليل والنهار ، فلا تزاحم هناك فيما فيه التزاحم هاهنا في نظام السعادة ونظام الشقاء بعكسه.
ومن هنا يظهر معنى ما عن ابن شهر آشوب في المناقب ، قال : في تفسير يوسف القطّان ، عن وكيع ، عن الثوري ، عن السدّي قال : كنت عند عمر بن
__________________
(١). النحل (١٦) : ٣١.
(٢). الزخرف (٤٣) : ٧١.
(٣). الزخرف (٤٣) : ٧٥.
(٤). العنكبوت (٢٩) : ٢٣.
(٥). الحديد (٥٧) : ١٣.