في حال وينقلب على عقبيه ، وفيه إشعار أنّ الله سبحانه لم يقبل ولم يرتض ما اعتذر به المنهزمون بعد ما تراجعوا إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ حين رجوعه إلى المدينة أنّهم إنّما انهزموا لمّا سمعوا قتل رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، وأنّ ذلك كان منهم ارتدادا وانقلابا على أعقابهم ؛ إذ كان قيام الدين على ساقه يومئذ يدور مدار ثباتهم ، فسمّى ذلك منهم انقلابا على الأعقاب أوّلا ، وإرادة لثواب الدنيا ثانيا ، وزلّة باستزلال الشيطان ثالثا ، وخبثا رابعا ؛ إذ يقول : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ). (١)
ثمّ سمّى سبحانه الثبات ممّن ثبت منهم ك «عليّ» ـ عليهالسلام ـ وأبي دجانة شكرا ، إذ قال في آخر الآية : (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) ، ثمّ في الآية التالية (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) وهو ظاهر بعد ما كان انهزام المنهزمين كفرانا لما أنعم الله عليهم من الدين ، كما يقول في ذيل الآيات : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، (٢) ولقد سمّاه شكرا إذ يقول : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، (٣) فهو الثبات.
في تفسير القمّي قال عليهالسلام : إنّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ خرج يوم احد وعهد العاهد به على تلك الحال ، فجعل الرجل يقول لمن لقيه : إنّ رسول الله قد قتل النجاء ، (٤) فلمّا رجعوا إلى المدينة أنزل الله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) إلى قوله : (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) يقول :
__________________
(١). آل عمران (٣) : ١٧٩.
(٢). آل عمران (٣) : ١٦٤.
(٣). آل عمران (٣) : ١٢٣.
(٤). النجاء ، كعلاء : الخلاص ، أي : أنجوا بأنفسكم.