يوصف به من وصف أو فعل في كلامه تعالى ، دون ما اعتوره عدّة من المفسّرين من أصناف المجاز من غير حقيقة ، هذا.
ومعنى «الإتيان» و «المجيء» ـ على ما ينسبق إلى أذهاننا ـ قطع. الأمر الجسماني الفواصل المكانيّة بالحركة ، والحضور عند المأتيّ إليه ، وإذا جرّد عن الخصوصيّات المصداقيّة ـ كما في قولنا : «جاء غد» و «جاء شهر رمضان» و (جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) (١) ـ لم تكن حقيقته إلّا حضور الجائي عند المجيء إليه بعد كشف حجب مانعة عن المشافهة ، فإتيانه تعالى : هو رفعه حجب الأسباب عنهم ، بحيث لا يشغلهم شيء عنه تعالى ، وقضاؤه بينهم من غير توسيط سبب كما هو من شؤون القيامة ، وسيجيء بيانه في محلّ يليق به ، وإن كانت الأسباب مع ذلك لا ترتفع عن الواقع ولن ترتفع أبدا ، فافهم ذلك.
فقوله تعالى : (أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ)
كقوله تعالى ـ : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (٢)
المراد به : انكشاف الأسباب وانجلاء غبارها عنهم ، فلا يبقى إلّا مولاهم الحقّ ، فيقضي بينهم ويحكم فيهم ، كما يتضمّنه قوله : (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (٣) وقوله : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٤) وقوله : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ). (٥) ... إلى غير ذلك من الآيات.
__________________
(١). الإسراء (١٧) : ٥.
(٢). الفجر (٨٩) : ٢٢.
(٣). الانفطار (٨٢) : ١٩.
(٤). إبراهيم (١٤) : ٤٨.
(٥). ق (٥٠) : ٢٢.