فهذا أصل المعنى ، لكنّه سبحانه إذا سلب في كلامه نسبة شيء إلى استقلال الأسباب وإيجاد الوسائط ، ربّما نسبه إلى نفسه عزّ اسمه ، وربّما نسبه إلى أمره ، فعلمنا من ذلك : أنّ أمره شيء وليس بشيء ، أي أنّ المنسوب إلى أمره تعالى بعينه منسوب إليه تعالى ، وصحّ وضع الأمر فيما يحتاج إليه بحسب ظهور بعض الألفاظ في معان لا تليق بجناب العزّة والكبرياء.
ويشهد بذلك قوله سبحانه : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (١) فهذه الآية نظيرة الآيات الثلاث في معناها ؛ أعني من قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ـ إلى قوله ـ : (تُرْجَعُ الْأُمُورُ) وقد بدّل قوله : (يَأْتِيَهُمُ اللهُ) فيها بقوله : (يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ). (٢)
وفي التوحيد والمعاني ، عن الرضا ـ عليهالسلام ـ في الآية ، قال : «يقول : هل ينظرون إلّا أن يأتيهم بالملائكة في ظلل من الغمام ، وهكذا نزلت». (٣)
و «عن قول الله ـ عزوجل ـ : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (٤) قال : إنّ الله ـ عزوجل ـ لا يوصف بالمجيء والذهاب ، تعالى عن الانتقال ، وإنّما يعني به (٥) : وجاء أمر ربّك والملك صفّا صفّا». (٦)
__________________
(١). التوبة (٩) : ٢٤.
(٢). البقرة (٢) : ١٠٩.
(٣). التوحيد : ١٦٣ ، الحديث : ١ ؛ معاني الأخبار ١٣ ، الحديث : ٣.
(٤). الفجر (٨٩) : ٢٢.
(٥). في المصدر : «بذلك».
(٦). معاني الأخبار : ١٣ ، الحديث : ٣.