لا تشغلهم عن ربّهم لا كالحياة الدنيا اللاهية الشاغلة ، وقد أبهم سبحانه الرزق الذي يرزقونه كما أبهم النعمة والفضل الذين يستبشرون بهما.
وكيف كان ، فهذه الحياة إذ كانت لا بحذاء العمل ؛ إذ الأجر الذي بحذاء العمل أن يعمل الإنسان عملا يريد به ما عند الله سبحانه ، وأمّا القتل في سبيل الله فهو رفض للحياة وليس بفعل وجوديّ يستتبع غاية وجوديّة ، ولذلك كان ما هيّأه الله من الحياة للشهداء حياة اخرى عنده لا غائبا عنه وفضلا منه ، لا أجرا لعمل عملوه ، وعليه يمكن أن ينزّل (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ).
وقد أثبت سبحانه الحياة والبقاء لكلّ ميّت على خلاف ما كان يقوله الكافرون من الموت والفوت بقولهم فيما حكى الله : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) ، (١) بل الإنسان باق وإن فنى البدن ، قال سبحانه : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ* قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) ، (٢) فهذا الخطاب والبيان منه سبحانه أعني قوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) ، بتخصيص الكلام بالمقتولين في سبيل الله ، مع أنّ الحكم عامّ للشهداء وغيرهم ، والمؤمن والكافر ليس مسوقا إلّا لبيان أنّ الحياة التي كانت تعتقده النفوس فيهم ، ثمّ افتقدوها بزعمهم وزالت عنهم وزهقت لم يبطل عنهم ، وهذا دليل على أنّ تعلّقهم بالدنيا وإشرافهم على هذه الدار باقية بعد وإن حلّ بهم القتل واخمدت إحساساتهم في الظاهر ، ويشير إلى ذلك قوله سبحانه وتعالى : (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ، إذ الإستبشار : تلقّي البشارة
__________________
(١). الأنعام (٦) : ٢٩.
(٢). السجدة (٣٢) : ١٠ ـ ١١.