فيحيى بعد موته لحيازة كمال استعدّ له ، أو يستعدّ لشيء من الكمال بشرط تخلّل حياة برزخيّة ، فيموت ثمّ يحيى لحيازته.
وأمّا كون أجزاء النظام الكبير بالفعل من الجهات ، فهو نظر بحث غير النظر البحثيّ فيما بالقوّة وما بالفعل ، فافهم ؛ وتمام الكلام في غير هذا المحلّ.
وأمثال هذه التلفيقات ـ التي يسمّونها أدلّة ، أخفض سطحا وأنزل قدرا من أن تورد في المزبورات العلميّة ، غير أنّا أوردناها ليعلم الباحث عن الحقائق المتحقّق بها مبلغ علمهم ومقدار أوج كلامهم ، فلنضرب عنه صفحا ، ولنرجع إلى ما كنّا فيه :
وهو أنّ الذي يتحصّل من كلامه تعالى في حقيقة يوم القيامة أنّه وعاء لا يحجب فيه سبب من الأسباب ، ولا شاغل من الشواغل عنه سبحانه ، ويفنى فيه جميع الأوهام ، فلا يبقى إلّا حقيقة العلم بحقيقة الأمر ، ويظهر فيه حقائق الجميع بصفة الجمع ، فهو يوم الجمع.
وهذا لا يستلزم بطلان العالم المادّي والنظام من أصله ، وتفرّد النشأة الاخرويّة بالوجود ، وفقد نظام الوجود عند تلك النشأة الجسمانيّة الدنيويّة ، فلا شيء يدلّ على ذلك من كتاب وسنّة وبرهان ، بل الأمر بخلافه ، سوى أنّ البشر ـ أعني هذا النسل ـ على ما يظهر من القرآن سينقرض إلى طلوع هذا اليوم.
ولا مزاحمة بين النشأتين الاخرويّة والدنيويّة ، حتّى يدفع بعضها بعضا عن الوجود ، كما أنّ النشأة البرزخيّة ـ وهي ثابتة الآن للأموات ـ لا تدفع الدنيا ولا الدنيا تدفعها ، قال تعالى : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١) فهذه حقيقة يوم القيامة (يَوْمَ يَقُومُ
__________________
(١). النحل (١٦) : ٦٣.