أقول : وسيجيء الكلام على الآية في قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ...) (١).
قوله سبحانه : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ...)
تشديد أن لا يقصدن بالإتيان ؛ ولذا بدّل ثانيا عند رفع الحظر بقوله : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) فلا يفيد ذلك النهي عن سائر التمتّعات غير الإتيان المعهود ، وقد عبّر في مثله في آية الصيام بقوله : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها) (٢) وكذلك يضاهي قوله : (فَأْتُوهُنَ) في تقييده بقوله : (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) ما في آية الرفث من آيات الصيام من قوله : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) (٣) والنكتة واحدة.
فقوله : (فَأْتُوهُنَ) ـ وإن كان أمرا بعد الحظر ـ لا يفيد أكثر من الإباحة والإذن ، لكن قيّد بما قيّد دفعا لما يتراءى من الأمر بأمر شهويّ معدود عند الناس من اللغو ، فالمراد حينئذ من الأمر في قوله : (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) الأمر التكويني ؛ حيث وضعت العناية الإلهيّة عضو التناسل وقوّة التوليد في جهازين في مقدّم الذكر والانثى من الإنسان ، واحتالت إلى الغرض بإيداع قوّة الباه وشهوة النكاح فيهما ، حتّى تبعثهما إلى المقاربة والتناسل ، فهو الأمر بذلك.
ومن هنا يظهر : أنّ الحال في قوله : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (٤) في تقييده
__________________
(١). المائدة (٥) : ٥.
(٢). البقرة (٢) : ١٨٧.
(٣). البقرة (٢) : ١٨٧.
(٤). البقرة (٢) : ٢٢٣.