الآيتين : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) ، من وضع الظاهر موضع الضمير من غير موجب ، بل هو راجع إلى المؤمنين ، كما أنّ وجه الكلام في السورة إليهم وقصّص القصص وضرب الأمثال فيها لإيقاظهم وتنبيههم فسيقت القصة بعد ما بيّن جملة من سنن بني إسرائيل إذ نقضت العهد والميثاق وكفرت بأنعم الله واستهانت بأمر الله ، وسخّرت واعتدت ولجّت ، فقابلهم الله باللعن والخذلان وكلّما اشتدّت في طغيانها شدّد عليها بالإستدراج ، فالخذلان وتلك الإستهانة بأمر الله تبلغ بالإنسان إلى أن يستحقر كلّ عظيم ، وحبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة ، فسيقت هذه القصّة ليعتبر بها المعتبرون من هذه الأمّة ، إنّ الحسد والبغي يبلغان بالإنسان مبلغا يهوّن للإنسان أن يقتل الشقيق شقيقه ، وإنّ الله لا يدع تدبير ملكه لمعصية عاص ، فيردفه بما فيه خذلانه واستدراجه وصلاح النوع ، كما في بعثه الغراب ، فقد كان استدراجا وتشديدا لخذلان قابيل ، وتعليما للنوع في دفن موتاهم.
وقوله : (ابْنَيْ آدَمَ) ، هما هابيل وقابيل ، وفي بعض الأخبار : قايين ، وقد مرّت في أول سورة النساء.
وقوله : (قُرْباناً) ، القربان : ما يتقربّ به إلى الله سبحانه من ذبيحة أو غيرها.
وقوله : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ)
هذا الكلام من هابيل كلام على تقدير إرادة القتل وهو قوله : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي).
والمعنى ـ والله العالم ـ أنّه على تقدير وقوع القتل ، فأنت أولى به وبتحمّل إثمي وإثمك جميعا.
وقوله : (فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ)
خصوصيّة التعبير مشعر بالخلود ، وقد فرّعه على تحمّل إثمين من غير تسمية