شدّد في أمر مثل تشديده فيه ، فقد قال في سورة آل عمران : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) (١) ـ إلى أن قال ـ : (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ) (٢) ـ إلى أن قال ـ : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (٣) ـ إلى أن قال ـ : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) (٤).
وإذا قيست تلك إلى ما في هذه السورة كانت هذه كالمنتزعة من تلك ، وإنّما الفرق بعموم المورد وخصوصه ، فقد حكم سبحانه بانقطاع أولياء الكفار من ولاية الله ولحوقهم بهم ونفاقهم ، وأنّ الله لا يهديهم لظلمهم وحبط أعمالهم وخسرانهم وارتدادهم عن دينهم ، فالدين هو ولاية الله وعرّف ذلك بقوله : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ).
فجعلها من تبعات هذا النفاق الذي شدّد في شأنه كلّ التشديد بالمقابلة ، ولعمري لقد بيّن جريان الحوادث في القرون التالية أهمّية تأثير هذا العامل السيّىء في عالم الإسلام بآكد البيان ، ولا بيان كالتبيان وقد زادت هذه السورة على ما في سورة آل عمران من الدعوة إلى محبة الله واتّباع رسوله بأن أخبر بإتيان قوم : (يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى
__________________
(١). آل عمران (٣) : ٢٨.
(٢). آل عمران (٣) : ٢٩.
(٣). آل عمران (٣) : ٣١.
(٤). آل عمران (٣) : ٣٢.