وبالجملة ، فلكلّ شيء من هذه الأشياء كمالا خاصا بوجوده ، هو الغاية له والغرض منه ، ولا قصد ولا بغية عنده إلّا الوصول إليه ونيله ، والإنسان واحد تلك الأنواع له غاية خاصة هي كماله وسعادته ، غير أن النفس الإنسانية لو كانت مجرّدة غير باطلة ببطلان البدن وفنائه ، بل باقية بعد الموت ، كما أنّ القرآن يعطي ذلك وأن الإنسان لا يموت بموت البدن ، بل يتوفّاه الله إليه ثم يلحق به البدن.
فلو كان الأمر على ذلك تفاوت الحال في الغاية ، إذ الضرورة قاضية بأنّ الغاية يجب أن تلائم المعني فما يشتغل به الإنسان أياما قلائل من لذائذ الحياة الدنيا ثم يتعطّل عنه أبد الآبدين ، لا يسعنا أن نسمّيه غاية وضلالا وغواية ، ولذلك أيضا لم يعد أحد من العقلاء ممن يذعن أنّ الإنسان طور وراء البدن ، اللذائذ والكمالات البدنية غاية له وغرضا لخلقته ، بل عظّموا أمر الكمالات المعنوية وخضعوا اللذائذ الروحانية ، من غير تردد في ذلك أصلا ، والقرآن يعدّ السعادة والكمال الأخير ، وبعبارة أخرى : الغرض والغاية من خلقة الإنسان هي العبادة كما يقول سبحانه : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) ويقول سبحانه : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) (٢) ، نعم ربّما عدل من الدعوة إلى الغرض والسعادة إلى ذكر بعض لوازمه ، كالنافع والضارّ في الطريق على حدّ ساير الدعوات إذا عدل عن تذكير أصل الغاية ، عدل إلى بعض لوازمه ممّا يرغب إليه ، وذلك مثل قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (٣) وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ
__________________
(١). الذاريات (٥١) : ٥٦.
(٢). الفرقان (٢٥) : ٧٧.
(٣). التوبة (٩) : ١١١.