حاكمة القضاء ولا ضير عليه فلا برهان على الأكل والشرب والنكاح عند الإنسان أقوى من أن وجوده مجهّز بجهاز يحتمل ذلك ، ونهيه عن ذلك منازعة مع القضاء والقدر ، كأن يؤمر الطير أن لا يطير ، والدابّة أن لا يدبّ ، والشجرة أن لا تنمى ، والحجر أن لا يتثقّل وهكذا.
وعلى ذلك فكلّ نوع من الأنواع له في دائرة وجوده حدا لا يتجاوزه ذاتا ، وكمال ذات ، وهذا هو الغاية في وجود ذلك النوع ، والغرض الحقيقي الذي يقصده ذلك النوع بحسب أصل وجوده ، لو لم يعق عنها عائق ولم يتوسّط بينهما مانع ، وذلك واضح بالتصفّح في أنواع الأنواع الطبيعية الموجودة بين أيدينا غير أنّ الأنواع الحيوانية من بينها حيث كانت ، كمالاتها عائدة إليها بالحسّ والحركة الإرادية.
وبالجملة ، بواسطة العلم توسّطت بينها وبين أصل الذات فيها عدّة من العلوم والآراء بتوسّطها يكسب الحيوان لنفسه ما يكسب من الكمال ، فإنّك إذا أمعنت في الشجر ـ مثلا ـ وجدته ذا نظام حقيقي ، من حين أصل تكوّنه ونموّه وتوليده المثل ، وسائر ما يلحق ذاته إلى آخر وجوده ، وكذلك الحيوان من حين أصل تكوّنه ونموّه وتوليده المثل ، إنّما يلحقه أمور خارجية واحدا بعد واحد ، ولا تجده في هذا النظر إلّا موجودا طبيعيا ذا نظام طبيعي ، كسائر الأنواع وأما بحسب نظر العلم ، ـ أي نظر الإعتبار والوهم ـ فالانسان من بدو تكوّنه إنما يتبدّل ويتقلّب بين الحبّ والبغض ، ولذائذ الأكل والشرب واللبس والسكنى والنكاح ، وأمّا في اللعب واللهو والجاه والتعيّن والتصدّر وغيرها ، فكأنه لا خبر عنده عن نحو التغذّي والتنمّي من كمالاته الطبيعيّة وإن كانت يد الصنع ترسم ما ترسم وهو غافل ساه.