جَمِيعاً) فجعل الجميع إليه طريقا غير أنه رضي النفس إليه طريقا من بينها لمن سلكها وهذه دعوة إلى طريقة معرفة النفس.
بيان ذلك : إنّا أوّل ما نأخذ في مشاهدة عالمنا هذا نجد موجوداتها أمورا مختلفة متفرقة ، ثمّ نجد أنّ كلّ جماعة منها بينها وحدة اجتماعية ذات رابطة إتحادية ، كما أنّ النامي والجسم والضخيم ، والأخضر والشجر ، وذي الأوراق وذي الأغصان ، وذي الأصل والعروق ، والغضّ والرطب ، وذي الأكمام والأنوار والأثمار ، وهكذا نرى أنّها مجتمعة لا مجرد اجتماع بحسب ما اتفق ، بل اجتماعا يبيّن عن وحدة جامعة بينها ثم نجد بينها معنى يدور عليه بقية المعاني دوران الفروع على الأصل ، وهو الذي نسمّيه بالذات ، ونسمي بقية المحمولات من الأوصاف والأحوال والأفعال بالكمالات الثانية والعوارض اللاحقة ، وهكذا كلّ جماعة جماعة من الموجودات حالها ذلك ، ترسّم دائرة وجود بينها نقطة مركزية هي الذات ، وغيرها عوارضه ولواحقه ، وهذا هو الحال في تكوّن الأنواع وأفرادها ، فكلّ نوع أخذته من مبدء تكوّنه وأخذت كلّ حادث يحدث حوله مربوطا به ، إلى آخر زمان حياته ومدى عمره ، وجدت أمورا كثيرة متنوّعة مختلفة متلوّنة في الغاية ، غير أنّ بينها أمرا واحدا هو المركز ، يدور عليه دائرة هذه الكثرة ، وهذه الأمور على كثرتها متحدة في أنّها لهذا الذات مربوطة ، مؤتلفة به لا يخرج من تحت سلطته ، وقد ربطت يد الصنع بينها وبين الذات رابطة مستحيلة التبدّل والتغيّر فإنّ كلّ ذات من ذوات الأنواع المختلفة مجهّز في نفسه بخصوصيات لا تلائم إلّا كمالاته الثانية المختصّة به ، فمن المستحيل أن يقصد نوع هدفا غير ما عيّنت له يد الصنع ، فالشجرة تريد التغذّي بالحركة الإرادية وكذا يستحيل أن لا يقصد نوع من الأنواع ما قضت له