وقد مرّ الكلام فيه في قوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) (١) من هذه السورة.
ومن الواضح أن للّقاء معنى مشكّك يتحقّق في كلّ شيء بحسب ما يناسبه ، فهو سبحانه غير جسم ولا جسماني ، مبرّى عن الجهات والحركات ، منزّه عن الأقدار والكيفيات ، قال سبحانه : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ* أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (٢) ، ثم إذا سمع هذا الإنسان قوله سبحانه : (نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) (٣) ، علم أنه لو عرف نفسه فقد عرف ربه ، وهو قوله صلىاللهعليهوآله : «من عرف نفسه عرفه ربّه» (٤). ثم إذا سمعه تعالى يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) (٥) اشتغل بنفسه وصرف نفسه عن كلّ شيء غير نفسه في سبيل معرفة ربّه فراقبها وسلك إليه من طريقها مدى عمره ومبلغ جدّه ، فوجد ما كان يفحص عنه ، وهذه طريقة معرفة النفس لا تزيد على ذلك شيئا.
إذا تبيّن جميع ما قدّمناه على طوله ، اتضح أنّ طريق معرفة النفس لا يختصّ من بين سائر الطرق بشيء من الأعمال والمطالب ، وإنّما هي أحد أنواع السلوك إلى الله سبحانه ، يختلف مع الطرق الباقية بالكيف لا بالكمّ وغيره ، فهي طريقة المحبّة في العبادة فحسب.
ونرجع إلى صدر الكلام ، ففي تفسير القمي قال في الآية : قال ـ عليهالسلام ـ :
__________________
(١). المائدة (٥) : ٥٥.
(٢). فصلت (٤١) : ٥٣ ـ ٥٤.
(٣). الحشر (٥٩) : ١٩.
(٤). الصراط المستقيم ١ : ١٥٦ ؛ مصباح الشريعة : ١٣ ؛ عوالي اللآلي ٤ : ١٠٢.
(٥). المائدة (٥) : ١٠٥.