أو يدعى فيه زيادة أو نقصانا.
وقد ضمن الله حفظ كتابه أن يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه ، ووعده الحق. ومعروف أن العدد الذين أخذوا القرآن فى الأمصار وفى البوادى وفى الأسفار والحضر وضبطوه حفظا من بين صغير وكبير ، وعرفوه حتى صار لا يشتبه على أحد منهم حرف ، لا يجوز عليهم السهو والنسيان ولا التخليط فيه والكتمان ، ولو زادوا ونقصوا أو غيروا لظهر.
وقد علمت أن شعر امرئ القيس وغيره لا يجوز أن يظهر ظهور القرآن ولا أن يحفظ كحفظه ولا أن يضبط كضبطه ، ولا أن تمس الحاجة إليه مساسها إلى القرآن ، لو زيد فيه بيت أو نقص منه بيت ، لا بل لو غير فيه لفظ ، لتبرأ منه أصحابه وأنكره أربابه ، فإذا كان كذلك مما لا يمكن فى شعر امرئ القيس ونظائره ، مع أن الحاجة إليه تقطع لحفظ العربية ، فكيف يجوز أو يمكن ما ذكروه فى القرآن مع شدة الحاجة إليه فى أصل الدين ، ثم فى الأحكام والشرائع واشتمال الهمم المختلفة على ضبطه.
فمنهم من يضبطه لإحكام قراءته ومعرفة وجوهها وصحة أدائها.
ومنهم : من يحفظه للشرائع والفقه.
ومنهم من يضبطه ليعرف تفسيره ومعانيه. ومنهم من يقصد بحفظه الفصاحة والبلاغة.
ومن الملحدين من يحصله لينظر فى عجيب شأنه.
وكيف يجوز على أهل هذه الهمم المختلفة والآراء المتباينة ، على كثرة أعدادهم ، واختلاف بلادهم ، وتفاوت أغراضهم ، أن يجتمعوا على التغيير والتبديل والكتمان.
وإنك إذا تأملت ما ذكر فى أكثر السور فى ردّ قومه عليه وردّ غيرهم وقولهم : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) وقول بعضهم : (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) إلى الوجوه التى يصرف إليها قولهم فى الطعن عليه.
فمنهم من يستهين بها ، ويجعل ذلك سببا لتركه الإتيان بمثله.