ومنهم من يزعم أنه مفترى فلذلك لا يأتى بمثله.
ومنهم من يزعم أنه دارس وأنه أساطير الأولين.
ولو جاز أن يكون بعضه مكتوما جاز على كله.
ولو جاز أن يكون بعضه موضوعا جاز ذلك فى كله ، فثبت من هذا أنه تحدى إليه ، وأنهم لم يأتوا له بمثل.
فإذا ثبت هذا وجب أن يعلم أن تركهم للإتيان بمثله كان لعجزهم عنه.
والذى يدل على أنهم كانوا عاجزين عن الإتيان بمثل القرآن أنه تحداهم إليه حتى طال التحدى ، وجعله دلالة على صدقه وثبوته. وتضمن أحكامه استباحة دمائهم وأموالهم وسبى ذريتهم ، فلو كانوا يقدرون على تكذيبه لفعلوا وتوصلوا إلى تخليص أنفسهم وأهليهم وأموالهم من حكمه بأمر قريب هو عادتهم فى لسانهم ، ومألوف من خطابهم ، وكان ذلك يغنيهم عن تكلف القتال وإكثار المراء والجدال ، وعن الجلاء عن الأوطان ، وعن تسليم الأهل والذرية للسبى.
فلما لم يحصل هناك معارضة منهم على أنهم عاجزون عنها.
ومعلوم أنهم لو عارضوه بم تحداهم إليه لكان فيه توهين أمره ، وتكذيب قوله ، وتفريق جمعه ، وتشتيت أسبابه ، وكان من صدق به يرجع على أعقابه ، ويعود فى مذهب أصحابه.
فلما لم يفعلوا شيئا من ذلك مع طول المدة ، ووقوع الفسحة ، وكان أمره يتزايد حالا فحالا ، ويعلو شيئا فشيئا ، وهم على العجز عن القدح فى آيته ، والطعن فى دلالته ، علم أنهم كانوا لا يقدرون على معارضته ولا على توهين حجته.
وقد أخبر الله تعالى عنهم أنهم قوم خصمون وقال : (وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) وقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) وعلم أيضا أن ما كانوا يقولونه من وجوه اعتراضهم على القرآن مما حكى الله عزوجل عنهم من قولهم : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وقولهم : (ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) وقالوا : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ