كما يختار قوم ما يغمض معناه ويغرب لفظه ، ولا يختار ما سهل على اللسان وسبق إلى البيان.
ومنهم من يختار الغلوّ فى قول الشعر والإفراط فيه ، حتى ربما قالوا : أحسن الشعر أكذبه.
وأكثرهم على مدح المتوسط بين المذهبين فى الغلوّ والاقتصاد وفى المتانة والسلامة.
ومنهم من رأى أن أحسن الشعر ما كان أكثر صنعة وألطف تعملا ، وأن يتخير الألفاظ الرشيقة للمعانى البديعة والقوافى الواقعة.
والكلام موضوع للإبانة عن الأغراض التى فى النفوس ، وإذا كان كذلك وجب أن يتخير من اللفظ ما كان أقرب إلى الدلالة على المراد ، وأوضح فى الإبانة عن المعنى المطلوب ، ولم يكن مستكره المطلع على الأذن ، ومستنكر المورود على النفس ، حتى يتأبى بغرابته فى اللفظ عن الأفهام ، أو يمتنع بتعويض معناه عن الإبانة ، ويجب أن
يتنكب ما كان عليه اللفظ مبتذل العبارة ، ركيك المعنى سفسافى الوضع ، مجتنب التأسيس ، على غير أصل ممهد ، ولا طريق موطد.
فأما نهج القرآن ونظمه وتأليفه ورصفه ، فإن العقول تتيه فى جهته وتحار فى بحره ونضل دون وصفه.
وقد ، سماه الله عز ذكره حكيما وعظيما ومجيدا وقال : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
وقال : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).
وقال : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً).
وقال : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً).