حبيب لى. وأجاز الزّجّاج أن يكون متصلا ، على أن الضمير لكل معبود ، وكان من آبائهم من عبد الله تعالى ، وهم أيضا كانوا يعبدون الله مع أصنامهم.
ثم وصف الربّ تعالى بقوله : (الَّذِي خَلَقَنِي) بالتكوين فى القرار المكين ، (فَهُوَ يَهْدِينِ) وحده إلى كل ما يهمنى ويصلحنى من أمور الدين والدنيا ، هداية متصلة بحين الخلق ونفخ الروح ، متجددة على الاستمرار ، كما ينبئ عنه صيغة المضارع. وعبّر بالاستقبال ، مع سبق الهداية فى الأزل ؛ لأن المراد ما ينشأ عنها ، وهو الاهتداء لما هو الأهم والأفضل والأتم الأكمل ، أو : والذي خلقنى لأسباب خدمته فهو يهدين إلى آداب خلّته. ولما كان الخلق لا يمكن أن يدعيه أحد لم يؤكد فيه بهو ، بخلاف الهداية والإطعام والسقي ، فإنه يكون على سبيل المجاز من المخلوقين ، ولذلك أكده بهو ؛ ليخصه به تعالى.
(وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي) لا غيره ، أضاف الإطعام إلى مولى الإنعام ؛ لأن الركون إلى الأسباب عادة الأنعام. (وَ) هو أيضا الذي (يَسْقِينِ) أي : يروينى بمائه. وتكرير الموصول فى المواضع الثلاثة ؛ للإيذان بأن كل واحدة من تلك الصلات نعت جليل له تعالى ، مستقل فى استيجاب الحكم. (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) : عطف على (يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) ، ونظم معهما فى سلك الصلة بموصول واحد ؛ لأن الصحة والمرض من متبوعات الأكل والشرب فى العادة ، غالبا.
وقال فى الحاشية : ثم ذكر بعد نعمة الخلق والهداية ما تدوم به الحياة وتستمر ، وهو الغذاء والشراب ، ولمّا كان ذلك مبنيا على غلبة إحدى الكيفيات على الأخر ، بزيادة الغذاء أو نقصانه ، فيحدث بعد ذلك مرض ، ذكر نعمته بإزالة ما حدث من السقم. ه. ونسبة المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله تعالى ، مع أنهما منه تعالى ؛ لمراعاة حسن الأدب ، كما قال الخضر عليهالسلام : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) (١) ، (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) (٢).
(وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) ، ولم يقل : وإذا مت ؛ لأن الإماتة والإحياء من خصائصه تعالى. وأيضا : الموت والإحياء من كمال الكمال ؛ لأنه الخروج من سجن الدنيا إلى السرور والهناء ، أو : الخروج من دار البلاء والفناء إلى دار الهناء والبقاء. (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي) أي : فى مغفرته لى (خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) ، ذكره عليهالسلام ؛ هضما لنفسه ، وتعليما للأمة أن يجتنبوا المعاصي ، ويكونوا على حذر منها ، وطلب مغفرته لما يفرط منهم. وقال أبو عثمان : أخرج سؤاله على حد الأدب ، لم يحكم على ربه بالمغفرة ، ولكنه طمع طمع العبيد فى مواليهم ، وإن لم يكونوا يستحقون عليهم شيئا ؛ إذ العبد لا يستحق على مولاه شيئا ، وما يأتيه يأتيه من فضل مولاه. ه.
__________________
(١) من الآية ٧٩ من سورة الكهف.
(٢) من الآية ٨٢ من سورة الكهف.