(قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) ، أي : اتخذه أجيرا لرعى الغنم. روى أن كبراهما كانت تسمى : «صفراء» ، والصغرى : «صفيراء» ، وقيل : «صابورة» و «ليا». وصفراء هى التي ذهبت به ، وطلبت إلى أبيها أن يستأجره ، وهى التي تزوجها. قاله وهب بن منبه وغيره ، فانظره مع ما فى الحديث ، قال صلىاللهعليهوسلم : «تزوج صغراهما ، وقضى أوفاهما» (١). ويمكن الجمع بأن يكون زوّجه إحداهما ثم نقله إلى الأخرى.
ثم قالت التي طلبت استئجاره : (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) ، فقال : ما أعلمك بقوته وأمانته؟ فذكرت نزع الدلو ، أو رفع الحجر عن البئر ، وأمرها بالمشي خلفه. وفى رواية عند الثعلبي : أما قوته : فإنه عمد إلى صخرة لا يرفعها إلا أربعون رجلا ، فرفعها عن فم البئر. ثم ذكرت أمر الطريق. وقولها : (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ ..) إلخ : كلام جامع ؛ لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان ؛ الكفاية والأمانة ، فى القائم بأمرك ، فقد فرغ بالك وتم مرادك. وقيل : القوى فى دينه ، الأمين فى جوارحه. وقد استغنت بهذا الكلام ، الجاري مجرى المثل ، عن أن تقول : استأجره لقوته وأمانته.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أفرس الناس ثلاثة : بنت شعيب ، وصاحب يوسف فى قوله : (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) (٢) ، وأبو بكر فى استخلافه عمر.
(قالَ) شعيب لموسى ـ عليهماالسلام ـ : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ) : أزوجك (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) ، وقوله : (هاتَيْنِ) يدل على أن له غيرهما. وهذه مواعدة منه ، لا عقد ، وإلا لقال : أنكحتك. (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) أي : تكون أجيرا لى ، من أجرته : إذا كنت له أجيرا (ثَمانِيَ حِجَجٍ) ؛ سنين ، والحجة : السنة. والتزوج على رعى الغنم جائز فى شرعنا ، على خلاف فى مذهبنا. (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً) أي : عشر حجج (فَمِنْ عِنْدِكَ) أي : فذلك تفضل منك ، ليس بواجب عليك ، أو : فإتمامه من عندك ، ولا أحتمه عليك. (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) بإلزام أتم الأجلين. من المشقة ، (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) فى حسن المعاملة ، والوفاء بالعهد ، أو مطلقا. وعلق بالمشيئة ، مراعاة لحسن الأدب مع الربوبية.
(قالَ) موسى عليهالسلام : (ذلِكَ) العهد وعقد الأجرة (بَيْنِي وَبَيْنَكَ) أي : ذلك الذي قلته ، وشارطتنى عليه ، قائم بيننا جميعا ، لا يخرج واحد منا عنه. ثم قال : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) أي : أىّ الأجلين ؛ قضيت من
__________________
(١) أي : تزوج صغرى البنتين ، وقضى أوفى الأجلين ، وهو عشر سنوات. وأما الحديث فقد أخرجه الخطيب فى تاريخ بغداد (٢ / ١٢٨). عن أبى ذر. والجزء الثاني من الحديث أخرجه البخاري بلفظ : «قضى أكثرهما وأطيبهما» وانظر تخريجه فى الصفحة بعد التالية.
(٢) كما فى الآية ٢١ من سورة يوسف.