ثم قال تعالى :
(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (٨٢))
قلت : (فى زينته) : حال ، (ويكأنه) : مذهب الخليل وسيبويه : أن «وى» : حرف تنبيه منفصلة عن كأن ، لكن أضيفت لكثرة الاستعمال. وقال أبو حاتم وجماعة : «ويك» هى «ويلك» ؛ حذفت اللام منها ؛ لكثرة الاستعمال. وقالت فرقة : «ويكأن» ؛ بجملتها : كلمة. قاله الثعلبي ، وقال البيضاوي : ويكأن ، عند البصريين ، مركب من : «وى» ؛ للتعجب ، و «كأن» ، للتشبيه. ه. وقال سيبويه : «وى» : كلمة تنبيه على الخطأ وتندّم ، يستعملها النادم لإظهار ندامته.
يقول الحق جل جلاله : (فَخَرَجَ) قارون (عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) ، قال جابر : كانت زينته القرمز ، وهو صبغ أحمر معروف. قيل : إنه خرج فى الحمرة والصفرة ، وقيل : خرج يوم السبت على بغلة شهباء ، عليها الأرجوان ، وعليها سرج من ذهب ، ومعه أربعة آلاف على زيه ، وقيل : عليهم وعلى خيولهم الديباج الأحمر ، وعن يمينه ثلاثمائة غلام ، وعن يساره ثلاثمائة جارية بيض ، عليهن الحلىّ والديباج.
(قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) ، قيل : كانوا مسلمين ، وإنما تمنوا ، على سبيل الرغبة فى اليسار ، كعادة البشر ، وقيل : كانوا كفارا ، ويرده قوله : (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا ..) إلخ. (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ) من المال والجاه ، قالوه ؛ غبطة. والغابط هو الذي يتمنى مثل نعمة صاحبه ، من غير أن تزول عنه ، والحاسد هو الذي يتمنى أن تكون نعمة صاحبه له ، دونه. وهو كقوله تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) (١) ، وقيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : هل تضر الغبطة؟ فقال : «لا ..» الحديث (٢). (إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) من الدنيا ، والحظ : الجدّ ، وهو البخت والدولة.
__________________
(١) من الآية ٣٢ من سورة النساء.
(٢) لفظ الحديث : سأل صلىاللهعليهوسلم : هل يضر الغبط؟ قال : «لا ، إلا كما يضر العضاة الخبط ، قال ابن حجر فى الكافي : ذكره ثابت السرقسطي فى الغريب ، هكذا بغير إسناد. انظر الكافي الشاف على هامش الكشاف (٣ / ٤٣٢).