(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) بالثواب والعقاب وفناء الدنيا ، أو : أوتوا العلم بالله ، فيؤخذ منه : أن متمنى الدنيا جاهل ولو كان أعلم الناس ؛ إذ لا يتمناها إلا المحب لها ، وهى رأس الفتنة. فأىّ علم يبقى مع فتنة الدنيا؟! قالوا فى وعظهم لغابطى قارون : (وَيْلَكُمْ) ؛ هلاكا لكم ، فأصل ويلك : الدعاء بالهلاك ، ثم استعمل فى الزجر والردع على ترك ما لا يرضى. وقال فى التبيان فى إعراب القرآن : هو مفعول بفعل محذوف ، أي : ألزمتكم الله ويلكم ، (ثَوابُ اللهِ) فى الآخرة ، (خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) مما أوتى قارون ، بل من الدنيا وما فيها ، (وَلا يُلَقَّاها) أي : لا يلقى هذه الكلمة التي تكلم بها العلماء ، وهى ثواب الله خير ، (إِلَّا الصَّابِرُونَ). أو : لا يلقى هذه القوة والعزيمة فى الدين إلا الصابرون على الطاعات وعن الشهوات وزينة الدنيا.
وفى حديث الترمذي : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من ترك اللباس ـ أي : الفاخر ـ ؛ تواضعا لله تعالى ، وهو يقدر عليه ، دعاه الله على رؤوس الخلائق ، حتى يخيّره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها» (١). وفيه أيضا عنه عليه الصلاة والسلام : «ليس لابن آدم حقّ فى سوى هذه الخصال ؛ بيت يسكنه ، وثوب يوارى عورته ، وجلف الخبز والماء» (٢). أي : ليس معه إدام.
قال تعالى : (فَخَسَفْنا بِهِ) ؛ بقارون (وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) ، كان قارون يؤذى موسى عليهالسلام كل وقت ، وهو يداريه ؛ للقرابة التي بينهما ، حتى نزلت الزكاة ، فصالحه : على كل ألف دينار دينار ، وعلى كل ألف درهم درهم ، فحاسبه فاستكثره ، فشحت به نفسه ، فجمع بنى إسرائيل ، وقال له : قد أطعتم موسى فى كل شىء ، وهو الآن يريد أن يأخذ أموالكم ، فقالوا : أنت كبيرنا فمرنا بما شئت ، قال : نجعل لفلانة البغي جعلا حتى تقذف موسى بنفسها ، فيرفضه بنو إسرائيل ، فجعل لها ألف دينار ، أو : طستا من ذهب ، فلما كان يوم عيد قام موسى خطيبا ، فقال : من سرق قطعنا يده ، ومن افترى جلدناه ثمانين ، ومن زنى وليس له امرأة جلدناه مائة ، ومن زنى وله امرأة رجمناه ، فقال قارون : وإن كنت أنت؟ قال : وإن كنت أنا ، قال : فإن بنى إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة ، فأحضرت ، فناشدها بالذي خلق البحر وأنزل التوراة أن تصدق ، فقالت : جعل لى قارون جعلا على أن أقذفك بنفسي ، فخرّ موسى ساجدا يبكى ، وقال : اللهم إن كنت رسولك فاغضب لى ، فأوحى الله تعالى إليه : مر الأرض بما شئت فيه ، فإنها مطيعة لك ، فقال : يا بنى إسرائيل : إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون ، فمن كان معه فليلزم
__________________
(١) أخرجه الترمذي فى (صفة القيامة ، باب ٣٩ ، ٤ / ٥٦١ ح ٢٤٨١) ، والحاكم فى المستدرك (١ / ٦١) وصححه ، ووافقه الذهبي ، من حديث معاذ بن أنس.
(٢) أخرجه أحمد فى المسند (١ / ٦٢) ، والترمذي وصححه فى (الزهد ، باب ٣٠ ، ٤ / ٤٩٤ ، ح ٢٣٤١) من حديث سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وقوله صلىاللهعليهوسلم : «وجلف الخبز» أي : ليس معه إدام. انظر : النهاية فى غريب الحديث (١ / ٨٧).