والصواب أن الزيادة تشمل ذلك كله ، وكل من خصه بشىء ؛ فإنما ذلك رحمة منه تعالى ، كما قال تعالى :
(ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢))
يقول الحق جل جلاله : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) أي : ما يطلق ويرسل من رحمة ، كنعمة ، ومطر ، وأمن ، وعافية ، ورزق ، وعلم ، ومعرفة ، ونبوة ، وغيرها ، (فَلا مُمْسِكَ لَها) ؛ فلا أحد يقدر على إمساكها وردها ، واستعير الفتح للإطلاق ؛ لأنه مسبب عنه. ونكّر الرحمة للإشاعة والإبهام ، كأنه قال : من أىّ رحمة كانت ، فتشمل نعمة الدفع والجلب ، كدفع المحن وجلب المنن. والاعتراف بالمنعم من تمام النعمة ، والأمران مدرجان فى الفتح والإمساك ، (وَما يُمْسِكْ) أي : يمنع ويحبس من ذلك (فَلا مُرْسِلَ لَهُ) ؛ فلا مطلق له (مِنْ بَعْدِهِ) ؛ من بعد إمساكه. وأنث الضمير الراجع إلى الاسم المتضمّن معنى الشرط على معنى الرحمة ، وذكّره ؛ حملا على لفظ المرجوع إليه ؛ إذ لا تأنيث فيه ؛ لأن الأول فسرّ بالرحمة ، فحسن إتباع الضمير التفسير ، ولم يفسر الثاني فترك على أصل التذكير.
وعن معاذ رضي الله عنه مرفوعا : «لا تزال يد الله مبسوطة على هذه الأمة ما لم يرفق خيارهم بشرارهم ، ويعظّم برّهم فاجرهم ، وتعن قراؤهم على أمراءهم على معصية الله. فإذا فعلوا ذلك نزع الله يده عنهم» (١) قال ابن عرفه : يؤخذ من قوله تعالى : (وَما يُمْسِكْ ..) أن العدم السابق الإضافى متعلق للقدرة ، وجعله بعض الأصوليين متعلقا للإرادة أيضا ، وذلك لأن المصحح للتعلق الإمكان. ه. قال الأبى : لا دليل فى الآية ؛ لاحتمال أن يكون التقدير : وما يريد إمساكه ، فيكون من متعلقات الإرادة ، ويحتمل : وما يمسك عن الإرسال بعد وجوده ، كإمساك الماء عن النزول بعد خلقه فى السحاب. ه. (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب ، القادر على الإرسال والإمساك. (الْحَكِيمُ) الذي يرسل ويمسك ، بما تقتضى الحكمة إرساله ، أو إمساكه.
الإشارة : ما يفتح الله لقلوب عباده من نفحات ، وواردات ، وإلهامات ، وعلوم لدنية ، وحكم ربانية ، وتعرفات جمالية وجلالية ، فلا ممسك لها ، بل الله يفتح على من يشاء ، ويسد الباب فى وجه من شاء. وسد الباب فى وجه العبد عن معرفته الخاصة ، علامته : عدم إيصاله إلى أوليائه. فكل من وصله إليهم ، وصحبهم ، وعظّمهم ، وخدمهم ،
__________________
(١) ذكر نحوه العراقي فى المغني (٢ / ١٦٤) وعزاه لأبى عمرو الداني ، فى كتاب الفتن ، من رواية الحسن ، مرسلا ، بلفظ : (لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وكنفه ما لم يمالىء قراؤها أمراءها) وقال العراقي. ورواه الديلمي فى مسند الفردوس ، من حديث علىّ ، وابن عمر ، بلفظ : «ما لم يعظم أبرارها فجارها ، ويداهن خيارها شرارها ، وإسنادهما ضعيف.