من الله العناية. وقوم لم ينجح فيهم نعم ولا نقم ، قد سبق لهم الخذلان ، فأصروا على العصيان ، ولم يشكروا الله على ما أسدى من سوابغ الإحسان ، وإلى هؤلاء توجه الخطاب بقوله :
(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦))
يقول الحق جل جلاله : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً) ، أشركوها معه فى العبادة ، بعد ما رأوا منه تلك القدرة الباهرة ، والنعم المتظاهرة ، وتحققوا أنه المنفرد بها ، فعبدوا الأصنام ، (لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) بها إذا حزبهم أمر. والأمر بالعكس ، (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) أبدا ، (وَهُمْ لَهُمْ) أي : الكفار للأصنام (جُنْدٌ) أي : أعوان وشيعة (مُحْضَرُونَ) يخدمونهم ، ويذبّون عنهم ، ويعكفون على عبادتهم. أو : اتخذوهم لينصروهم عند الله ، ويشفعوا لهم ، والأمر على خلاف ما توهموا ، فهم يوم القيامة جند معدّون لهم ، محضرون لعذابهم ؛ لأنهم يجعلون وقودا للنار ، التي يحترقون بها.
ثم سلّى نبيه مما يسمع بقوله : (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) ؛ فلا يهمنّك تكذيبهم ، وأذاهم ، وما تسمع منهم من الإشراك والإلحاد. (إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) من عداوتهم وكفرهم ، (وَما يُعْلِنُونَ) ، فيجازيهم عليه ، فحقّ مثلك أن يتسلّى بهذا الوعيد ، ويستحضر فى نفسه صورة حاله وحالهم فى الآخرة ، حتى ينقشع عنهم الهمّ ، ولا يرهقه حزن. وهو تعليل للنهى على طريق الاستئناف ، ولذلك لو قرئ «أنّا» بالفتح ، على حذف لام التعليل ، لجاز ، خلافا لمن أنكره وأبطل صلاة من قرأ به. انظر النسفي.
الإشارة : كل من ركن إلى شىء دون الله ، فهو فى حقه صنم ، كائنا ما كان ، علما ، أو عملا ، أو حالا ، أو غير ذلك. ولذلك قال القطب ابن مشيش لأبى حسن الشاذلى ـ رضى الله عنهما ـ لمّا قال : بم تلقى الله يا أبا الحسن؟ فقال له : بفقري ، قال : إذا تلقاه بالصنم الأعظم ، أي : وإنما يلقى الله بالله ، ويغيب عما سواه. وقوله تعالى : (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) فيه تسلية لمن أوذى فى جانب الله. قال القشيري : إذا علم العبد أنه بمرأى من الحق ، هان عليه ما يقاسيه ، لا سيما إذا كان فى الله. ه.