فعلّق مصحفا لم يتعاهده ، ولم ينظر فيه ، جاء يوم القيامة متعلّقا به ، يقول : يا ربّ العالمين عبدك هذا اتّخذنى مهجورا ، اقض بينى وبينه» (١).
وقيل : هو من هجر ؛ إذا هذى ، أي : قالوا فيه أقاويل باطلة ، كالسحر ، ونحوه ، أو : بأن هجروا فيه إذا سمعوه ، كقولهم : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) (٢) ؛ أي : مهجورا فيه.
وفيه من التحذير والتخويف ما لا يخفى ، فإن الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ إذا شكو إلى الله تعالى قومهم عجّل لهم العذاب ، ولم ينظروا.
ثم أقبل عليه ؛ مسليا ، وواعدا لنصره عليهم ، فقال : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) ؛ فتسلّ بهم ، واقتد بمن قبلك من الأنبياء ، فمن هنا ساروا. أي : كما جعلنا لك أعداء من المشركين ، يقولون ما يقولون ، ويفعلون ما يفعلون من الأباطيل ، جعلنا لكل نبى من الأنبياء ، الذين هم أصحاب الشرائع والدعوة إليها ، عدوا من مجرمى قومهم ، فاصبر كما صبروا ؛ فإن الله ناصرك كما نصرهم. (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) ، وهو وعد كريم بالهداية له إلى مطالبه ، والنصر على أعدائه ، أي : كفاك مالك أمرك ومبلغك إلى غاية الكمال ، هاديا إلى ما يوصلك إلى غاية الغايات ، التي من جملتها : تبليغ الكتاب ، وإجراء أحكامه إلى يوم القيامة. أو : وكفى بربك هاديا لك إلى طريق قهرهم والانتصار منهم ، وناصرا لك عليهم. والعدو : يجوز أن يكون واحدا وجمعا ، والباء : زائدة ، و (هادِياً وَنَصِيراً) : تمييزان. والله تعالى أعلم.
الإشارة : من السنة التي أجراها الله تعالى فى خواصه : أن يكون جيرانهم وأقاربهم أزهد الناس فيهم ، وأقواهم عليهم ، وأعدى الناس إليهم. وفى الأثر : «أزهد النّاس فى العالم جيرانه». فلا ينتفع بالولى ، فى الغالب ، إلا أبعد الناس منه ، وقلّ أن تجد وليا عمّر سوقه فى بلده ، فالهجرة سنة ماضية ، ولن تجد لسنة الله تبديلا. وكما جعل لكل نبى عدوا جعل لكل ولى عدوا ، فلابد للولى أن يبقى له من يحركه إلى ربه بالإذاية والتحريش ، إما من جيرانه ، أو من نسائه وأولاده ؛ ليكون سيره بين جلاله وجماله ، وكفى بربك هاديا ونصيرا.
ثم ذكر اقتراحهم الخاص بالقرآن ، بعد ذكر اقتراحهم الخاص به ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقال :
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ
__________________
(١) عزاة المناوى فى الفتح السماوي (٢ / ٨٨١) للثعلبى ، من طريق أبى هدبة إبراهيم بن هدبة ، عن أنس ، قال المناوى : وأبو هدبة كذاب.
(٢) من الآية ٢٦ من سورة فصلت.