هذه الآية تقتصر على توكيد إتصاف الله باطعام مخلوقاته ورزقهم ، ولعل ذلك إشارة إلى أنّ أقوى حاجات الإنسان في حياته المادية هي حاجته إلى «لقمة العيش» كما يقال ، وهذه اللقمة هي التي تحمل الناس على الخضوع لأصحاب المال والقوة ، وقد يصل خضوعهم لُاولئك حد العبودية ، ففي هذا يقرر القرآن أنّ رزق الناس بيد الله لا بيد هؤلاء ولا بيد الأصنام ، فأصحاب المال والقوة هم أنفسهم محتاجون إلى الطعام ، وأنّ الله هو وحده الذي يطعم الناس ولا يحتاج إلى طعام.
ثم للردّ على اولئك المشركين الذين كانوا يدعون رسول الله إلى الإنضمام إليهم ، يؤكد القرآن على ضرورة رفض دعوة هؤلاء إنطلاقاً من مبدأ نهي الوحي الإلهي عن ذلك ، إضافة إلى نهي العقل : (قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
الآية التالية فيها توكيد أشدّ لهذا النهي الإلهي عن إتّباع المشركين : (قُلْ إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ). أي يأمر الله رسوله أن يقول بأنّه ليس مستثنى من القوانين الإلهية ، وأنّه يخاف ـ إن ركن إلى المشركين ـ عذاب يوم القيامة.
ولكي يتّضح أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لا يستطيع شيئاً بغير الاستناد إلى لطف الله ورحمته ، فكل شيء بيد الله وبأمره ، وحتى رسول الله صلىاللهعليهوآله نفسه يترقّب بعين الرجاء رحمة الله الواسعة ، ومنه يطلب النجاة والفوز : (مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوزُ الْمُبِينُ).
(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (١٨)
قدرة الله القاهرة : قلنا إنّ هدف هذه السورة هو استئصال جذور الشرك وعبادة الأصنام ، وهاتان الآيتان تواصلان تحقيق ذلك. فالقرآن يتساءل أوّلاً : لماذا تتوجّهون إلى غير الله ، وتلجأون إلى معبودات تصطنعونها لحلّ مشاكلكم ودفع الضر عن أنفسكم واستجلاب الخير لها؟ بينما لو أصابك أدنى ضرر فلا يرفعه عنك غير الله ، وإذا أصابك الخير والبركة والفوز والسعادة فما ذلك إلّابقدرة الله ، لأنّه هو القادر القوي : (وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلّ شَىْءٍ قَدِيرٌ) (١).
__________________
(١) «الضر» : هو كل نقيصة يتعرّض لها الانسان إمّا في الجسم مثل نقص عضو والمرض ، وإمّا في النفس مثل الجهل والسفاهة والجنون ، وإمّا في امور اخرى مثل ذهاب المال أو المقام أو الأبناء.