في الواقع إنّ سبب الإتجاه إلى غير الله إمّا لتصوّرهم أنّ ما يتّجهون إليه مصدر الخيرات ، وإمّا لإعتقادهم بقدرته وأنّه يدرأ عنهم المصائب ويحلّ لهم مشاكلهم.
وفي الآية التي تليها إكمال للبحث ، فيقول : (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ).
ولإزالة كل وهم قد يخطر لأحدهم بأنّ الله قد يسيء استعمال قدرته غير المتناهية كما هو الحال في ذوي القدرة من البشر ، يقول القرآن : (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ). أي أنّه صاحب حكمة وكل أعماله محسوبة لأنّه خبير وعالم ولا يخطىء في استعمال قدرته أبداً.
(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (٢٠)
أعظم الشاهدين : يذكر جمع من المفسرين أنّ عدداً من مشركي مكة جاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وقالوا : كيف تكون نبيّاً ولا نرى أحداً يؤيّدك؟ وحتى اليهود والنصارى الذين سألناهم ، لم يشهدوا بصحة أقوالك بحسب ما عندهم في التوراة والإنجيل ، فهات من يشهد لك على رسالتك ، والآيتان المذكورتان تشيران إلى هذه الواقعة. في مواجهة هؤلاء المخالفين المعاندين الذين يغمضون أعينهم عن رؤية كل تلك الدلائل على صدق الرسالة ، ويطلبون مزيداً من الشواهد ، يؤمر النبي صلىاللهعليهوآله أن : (قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً). أهناك شهادة أعظم من شهادة ربّ العالمين : (قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ). وهل هناك دليل أكبر من هذا القرآن : (وَأُوحِىَ إِلَىَّ هذَا الْقُرْءَانُ).
هذا القرآن الذي لا يمكن أن يكون وليد فكر بشري ، خاصة في تلك الظروف الزمانية والمكانية ، هذا القرآن الذي يضمّ مختلف الشواهد على إعجازه ، فألفاظه معجزة ، ومعانيه معجزة ، أليس هذا الشاهد الكبير وحده كاف لأن يكون تصديقاً إلهياً للدعوة!
يستفاد من هذه العبارة أيضاً أنّ القرآن أعظم معجزة وأكبر شاهد على صدق دعوة رسول الله صلىاللهعليهوآله.
ثم يشير إلى هدف نزول القرآن ويقول : (لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ). أي إنّ القرآن قد نزل عليّ لكي أنذركم ، وأنذر جميع الذين يصل إليهم ـ عبر تاريخ البشر ، وعلى إمتداد الزمان