الآخرة ، فتقول الآية : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ). أين هم ؛ لماذا لا يأتون اليوم لإنقاذكم؟ لماذا لا يظهرون أيّ حول ولا يبدون أيّة قوة؟
فيستولي على هؤلاء الرعب والخوف ويبهتون ولا يحيرون جواباً ، سوى أن يقسموا بالله إنّهم لم يكونوا مشركين ، ظنّاً منهم أنّهم هناك أيضاً قادرون على إخفاء الحقائق : (ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا وَاللهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ).
الآية الثالثة ومن أجل أن يعتبر الناس بمصير هؤلاء الأفراد تقول : (انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ).
وتنهار المساند التي إختاروا الاستناد عليها وجعلوها شريكة لله ، وخابوا في مسعاهم (وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ).
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٥) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (٢٦)
في هذه الآية إشارة إلى الوضع النفسي لبعض المشركين ، فهم لا يبدون أيّة مرونة تجاه سماع الحقائق ، بل أكثر من ذلك ، يناصبونها العداء ، ويقذفونها بالتهم ، فيبعدون أنفسهم وغيرهم عنها عن هؤلاء. تقول الآية : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىءَاذَانِهِمْ وَقْرًا) (١).
إنّ نسبة هذه الامور إلى الله ، إنّما هى إشارة إلى قانون «العلة والمعلول» وخاصية «العمل» ، أي إنّ أثر الاستمرار في الانحراف والإصرار على المعاندة والتشاؤم يظهر في إتصاف نفس الإنسان بهذه المؤثرات ، لقد أثبتت التجربة أنّ المنحرفين والمذنبين يحسّون أوّل الأمر بعدم الرضا عن حالهم ، ولكنهم يعتادون ذلك بالتدريج ، وقد يصل بهم الأمر إلى اعتبار أعمالهم القبيحة لازمة وضرورية.
__________________
(١) «أكنة» : جمع «كنان» وهو كل ستار أو حاجز ؛ و «الوقر» : بمعنى ثقل السمع.