ولم يكن هذا درساً لمسلمي ذلك اليوم فحسب ، بل ينبغي لمسلمي اليوم أن يستلهموا من ذلك التعليم السماوي ، فعليهم ألّا يغضوا أبصارهم عن المبادي الأساسية بسبب المشاكل والأتعاب ويستبدلوها بمناهج غير أساسية قليلة الأتعاب.
وفي آخر آية يماط اللثام عن الأمر بصورة أجلى ، إذ تقول الآية الكريمة : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (١١) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (١٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١٣) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ) (١٤)
دروس مفيدة من ساحة المعركة : إنّ هذه الآيات تتحدث عن اللحظات الحساسة من واقعة بدر ، والألطاف الإلهية الكثيرة التي شملت المسلمين لتثير في نفوسهم الإحساس بالطاعة والشكر. وتشير ابتداء لإمداد الملائكة فتقول : (وَإِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ).
في تفسير مجمع البيان : قيل : إنّ النبي صلىاللهعليهوآله لما نظر إلى كثرة عدد المشركين ، وقلة عدد المسلمين ، استقبل القبلة وقال : «اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض». فما زال يهتف ربّه مادّاً يديه حتى سقط رداؤه من منكبيه ، فأنزل الله تعالى (وَإِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) الآية.
وعند ذلك (فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّى مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلِكَةِ مُرْدِفِينَ).
«مردفين» : من «الإرداف» بمعنى اتخاذ محل خلف الشيء ، فيكون مفهومها أنّ الملائكة كانت تتابع بعضها بعضاً في النّزول لنصرة المسلمين.