ولئلا يعتقد بعض بأنّ النصر كان بسبب نصرة الملائكة فحسب ، فإنّ الآية تقول : (وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). لأنّ الله عزيز ومقتدر لا يستطيع أحد الوقوف مقابل إرادته ، وحكيم لا يُنزل نصرته إلّا للأفراد الصالحين والمستحقين لذلك.
ثم تذكر الآية النعمة الثانية التي اكتنفت المؤمنين فتقول : (إِذْ يُغَشّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مّنْهُ).
«يغشى» : من مادة «الغشيان» بمعنى تغطية الشيء وإحاطته. فكأنّ النوم كالغطاء الذي وُضع عليهم فغطّاهم.
«النعاس» : يطلق على بداية النوم ، أو النوم القليل أو الخفيف الناعم.
والرحمة الثالثه التي وصلتكم هي : (وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطنِ).
وهذا الرّجز قد يكون وساوس الشيطان ، أو رجزاً بدنياً كجنابة بعضهم ، أو الأمرين معاً.
ثم إنّ الله تعالى أراد بذلك تقوية معنويات المسلمين وكذلك تثبيت الرمال المتحركة تحت أقدامهم بواسط المطر : (وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ).
ويمكن أن يكون المراد من تثبيت الأقدام هو رفع المعنويات وزيادة الثبات والإستقامة ببركة تلك النعمة ، أو إشارة إلى هذين الأمرين.
والنعمة الاخرى التي أنعمها الله على المجاهدين في بدر ، هي الرعب الذي أصاب به الله قلوب أعدائهم ، فزلزل معنوياتهم بشدّة ، فيقول تعالى : (إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلِكَةِ أَنّى مَعَكُمْ فَثَبّتُوا الَّذِينَءَامَنُوا. سَأُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ).
وإنّه لمن العجب والغرابة أن ينهار جيش قريش القوي أمام جيش المسلمين القليل ، وأن تذهب معنوياتهم ـ كما ينقل التاريخ ـ بصورة يخاف معها الكثير منهم من منازلة المسلمين ، وحتى أنّهم كانوا يفكرون بأنّ المسلمين ليسوا أشخاصاً مألوفين.
ثم إنّ القرآن يذكّر المسلمين بالأمر الذي أصدره النبي صلىاللهعليهوآله للمسلمين بأنّ عليهم اجتناب الضرب غير المؤثر في المشركين حال القتال لئلا تضيع قوتهم فيه ، بل عليهم توجيه