ضربات مؤثرة وقاطعة (فَأضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ).
«البنان» : جمع «البنانة» بمعنى رؤوس أصابع الأيدي أو الأرجل ، أو الأصابع نفسها ، وفي هذه الآية يمكن أن تكون كناية عن الأيدي والأرجل أو بالمعنى الأصلي نفسه.
وبعد كل تلك الأحاديث ، ولكيلا يقول شخص بأنّ هذه الأوامر الصادقة تخالف الرحمة والشفقة وأخلاق الرجولة ، فإنّ الآية تقول : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ).
«شاقوا» : من مادة «الشقاق» وهي في الأصل بمعنى الإنفطار والإنفصال ، وبما أنّ المخالف أو العدو ويبتعد عن الآخرين فقد سمي عمله شقاقاً : (وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
ثم يؤكّد هذا الموضوع ويقول : ذوقوا العذاب الدنيوي من القتل في ميدان الحرب والأسر والهزيمة السافرة ، وعلاوة على ذلك انتظروا عذاب الآخرة أيضاً : (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ) (١٨)
هذه الآيات توجّه خطابها للمؤمنين وتأمرهم أمراً عاماً بالقتال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ).
فالفرار من الحرب يعدّ في الإسلام من كبائر الذنوب ، ولذلك تذكر الآية بعدها جزاء من يفر من ميدان الحرب مع الإشارة لمن يستثنون منهم فتقول : (وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرّفًا لِّقِتَالِ أَوْ مُتَحَيّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ).
وكما نرى فقد استثنت الآية صورتين من مسألة الفرار ، ظاهرهما أنّهما من صور الفرار ، غير أنّهما في الحقيقة والواقع صورتان للقتال والجهاد.
الصورة الاولى : عُبّر عنها ب (مُتَحَرّفًا لِّقِتَالِ) و «متحرف» من مادة (التحرّف) أي