(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٤٠)
من المعلوم في اسلوب القرآن هو الجمع بين البشارة والإنذار ، أي أنّه كما ينذر أعداء الحق بالعقاب والعذاب ، فإنّه يفتح لهم في الوقت نفسه طريق العودة أمامهم. والآية الاولى : من الآيات محل البحث تتبع هذا الاسلوب ذاته ، فتأمر النبي صلىاللهعليهوآله قائلةً : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ).
ويستفاد من الآية المباركة أنّ قبول الإسلام يوجب محو كل سابقة.
وتضيف الآية قائلة : إنّهم إن لم يصححوا أسلوبهم (وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ). والمقصود من هذه السنّة هو ما آل إليه أعداء الحق بعد ما واجهوا الأنبياء ، وما أصاب المشركين عندما واجهوا النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله في معركة بدر.
ولما كانت الآية السابقة قد دعت الأعداء للعودة إلى الحق ، وإنّ هذه الدعوة قد تولّد هذه الفكرة لدى المسلمين وهي أنّه قد انتهت فترة الجهاد ولابدّ بعد الآن من اللين والتساهل ، ترفعُ هذه الشبهة الآية التالية وتقول : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَاتَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ).
في تفسير مجمع البيان عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «لم يجىء تأويل هذه الآية ، ولو قام قائمنا بعد ، سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية ، وليبلغن دين محمّد صلىاللهعليهوآله ما بلغ الليل ، حتى لا يكون مشرك على ظهر الأرض ، كما قال الله تعالى : (يَعْبُدُونَنِى لَايُشْرِكُونَ بِى شَيْئًا).
وأخيراً فإنّ الآية في نهايتها ، وتزامناً مع الشدة في العمل ، تمدّ يد المحبة والرأفه إلى الأعداء مرّة اخرى فتقول : (فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). ولكن إذا تمادوا في عنادهم وطغيانهم ولم يستسلموا للحق ، فاعلموا أنّ النصر حليفكم والهزيمة من نصيب أعدائكم ، لانّ الله مولاكم وهو خير ناصر ومعين : (وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ).