«أتدرون فيما انتطحتا؟» فقالوا : لا ندري. قال : «ولكن الله يدري وسيقضي بينهما».
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣٩)
مرّة اخرى يعود القرآن ليتطرّق إلى المنكرين المعاندين ، فيقول : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بَايَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِى الظُّلُمَاتِ). فهم لا يملكون آذاناً صاغية لكي يستمعوا إلى الحقائق ، ولا ألسناً ناطقةً بالحقّ توصل إلى الآخرين ما يدركه الإنسان من الحقائق.
وبعد ذلك يقول القرآن الكريم : (مَن يَشَإِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
إنّ الهداية والضلالة اللتين تنسبان في هذه الحالات إلى مشيئة الله إنّما هما ثواب الله وعقابه لعباده على أفعالهم الحسنة أو السيئة. وبعبارة اخرى : قد يرتكب الإنسان أحياناً إثماً كبيراً يؤدّي به إلى أن يحيط بروحه ظلام مخيف ، فتفقد عينه القدرة على رؤية الحق ، وتفقد أذنه القدرة على سماع صوت الحق ، ويفقد لسانه القدرة على قول الحق.
وقد يكون الأمر على عكس ذلك ، أي قد يعمل الإنسان أعمالاً صالحة كثيرة بحيث إنّ عالماً من النور والضوء يشع في روحه ، فيتسع بصره وبصيرته ، وتزداد أفكاره إشعاعا ، ويكون لسانه ابلغ في إعلان الحق ، ذلكم هو مفهوم الهداية والضلالة اللتين تنسبان إلى إرادة الله ومشيئته.
(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) (٤١)
التوحيد الفطري : يعود الكلام مرّة اخرى إلى المشركين ، ويدور الاستدلال حول وحدانية الله وعبادة الواحد الأحد عن طريق تذكيرهم باللحظات الحرجة والمؤلمة التي تمرّ بهم في الحياة ، ويستشهد بضمائرهم ، فهم في مثل تلك المواقف ينسون كل شيء ، ولا يجدون غير الله ملجأ لهم. يأمر الله سبحانه نبيّه أن : (قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
الحالة النفسية التي تصوّرها هذه الآية لا تنحصر في المشركين ، بل في كل إنسان حين يتعرّض إلى الشدّة وحوادث الخطر وقد لا يلجأ الإنسان في الحوادث الصغيرة والمألوفة إلى