الله ، إلّاأنّه في الحوادث الرهيبة والمخيفة ينسى كل شيء وإن ظلّ في أعماقه يحس بأمل في النجاة ينبع من الإيمان بوجود قوّة غامضة خفيّة ، وهذا هو التوجه إلى الله وحقيقة التوحيد. حتى المشركون وعبدة الأصنام لا يخطر لهم التوسل بأصنامهم ، بل ينسونها في مثل هذه الظروف تماماً ، فتقول الآية : (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونُ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ).
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْ لَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (٤٥)
مصير الذين لا يعتبرون : تواصل هذه الآيات توجيه الكلام للضّالين والمشركين ، ويتخذ القرآن فيها طريقاً آخر لإيقاظهم وذلك بأن ينقلهم إلى القرون السالفة والأزمان الماضية ، يشرح لهم حال الامم الضّالة والظالمة والمشركة ، ويبيّن لهم كيف اتيح لها جميع عوامل التربية والتهذيب والوعي ، غير أنّ جمعاً منهم لم يلقوا بالاً إلى أيّ من تلك العوامل ، ولم يعتبروا بما حاق بهم من (بأساء) و (ضراء) (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (١).
أما كان من الأجدر بهؤلاء أن يستيقظوا عندما جاءهم البأس وأحاطت بهم الشدائد؟! (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) ولكنّهم لم يستيقظوا ، ولذلك سببان :
(الأوّل :) إنّهم لكثرة آثامهم وعنادهم في الشرك زايلت الرحمة قلوبهم والليونة أرواحهم : (وَلكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ).
والثاني : إنّ الشيطان قد استغل عبادتهم أهواءهم فزيّن في نظرهم أعمالهم ، فكل قبيح إرتكبوه أظهره لهم جميلاً ، ولكل خطأ فعلوه جعله في عيونهم صواباً : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطنُ مَا
__________________
(١) «البأساء» : الشدّة والمكروه ، وتطلق على الحرب أيضاً ، وكذلك القحط والجفاف والفقر. أمّا «الضّرّاء» : فأكثر ما تعني العذاب الروحي كالهم والغم والإكتئاب والجهل أو الآلام الناشئة عن الأمراض أو عن فقدان مال أو مقام.