كَانُوا يَعْمَلُونَ).
ثم تذكر الآية التالية أنّه لمّا لم تنفع معهم تلك المصائب والمشاكل والضغوط عاملهم الله تعالى بالعطف والرحمة ، ففتح عليهم أبواب أنواع النعم ، لعلهم يستيقظون ويلتفتون إلى خالقهم الذي وهب لهم كل تلك النعم ، ويشخّصوا الطريق السوي : (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَىْءٍ).
إلّا أنّ هذه النعم كانت في الواقع ذات طابع مزدوج ، فهي مظهر من مظاهر المحبة التي تستهدف إيقاظ النائمين ، وهي كذلك مقدمة لنزول العذاب الأليم إذا استمرّت الغفلة ، ولهذا يقول إنّنا أعطيناهم الكثير من النعم : (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) (١).
وهكذا استؤصلت جذور اولئك الظلمة وانقطع نسلهم : (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا).
ولمّا كان الله قد وفّر لهؤلاء كل وسائل التربية ولم يبخل عليهم بأيّ شيء منها ، لذلك فإنّ الحمد يختص بالله الذي يربّي أهل الدنيا كافة : (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ).
وإختتام الآية بقول : (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ) دليل على أنّ استئصال جذور الظلم والفساد والقضاء على شأفة الذين يمكن أن يواصلوا هذا الأمر من الأهمية بحيث يستوجب الحمد لله.
في الكافي عن فضيل بن عياض عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «... من أحبّ بقاء الظالمين ، فقد أحبّ أن يعصى الله ، إنّ الله تعالى حمد نفسه على هلاك الظالمين فقال : (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ).
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (٤٩)
__________________
(١) «الإبلاس» : الحزن المعترض من شدّة التألم بسبب كثرة المنغّصات المؤلمة ، ومنها اشتقت كلمة «إبليس» وهي هنا تدل على شدّة الغم والهم اللذين يصيبان المذنبين يومئذٍ.