فهذا السير الواضح المشفوع بالمعرفة يمنحهم الثبات والصبر والإستقامة.
أمّا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ، كعبدة الأصنام ، فلا يعرفون لأيّ أمر يقاتلون؟ الأعمى ولعاداتهم الجاهلية ساروا وراء هذه الأفكار ، وهكذا تبعث ظلمات الطريق وعدم معرفتهم الهدف ونتائج أعمالهم على إنهيار أعصابهم وتفتّ في عضدهم وثباتهم ، وتجعل منهم كائنات ضعيفة.
وبعد ذلك الحكم الثقيل بجهاد الأعداء وان كانوا عشرة اضعاف يخفف الله عن المؤمنين ويتنزل في الحكم الذي يرهقهم فيقول : (النَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا).
ثم يقول : (فَإِن يَكُن مّنكُم مّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذنِ اللهِ).
ولكن على كل حال ينبغي أن لا تنسوا تسديد الله (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).
(مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٧١)
بيّنت الآيات السابقة بعض أحكام الجهاد المهمّة ومواجهة الأعداء ، وفي هذه الآيات استكمال لما سبق في عرض قسم من أحكام أسرى الحرب ، وأوّل موضوع مهم يثار في هذا الشأن ، هو ما قالته الآية الكريمة من أنّ كل نبي ليس له الحق في أسر افراد العدو الّا بعد أن يثبّت اقدامه في الارض ويكيل الضربات القاضية للأعداء : (مَا كَانَ لِنَبِىّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الْأَرْضِ).
«يثخن» : مأخوذ من «الثِخَن» على زنة «المحَن» ومعناه في الأصل الضخامة والغلظة والثقل ، ثم استعمل هذا اللفظ بمعنى الفوز والقوة والنصر والقدرة.
إنّ معنى الآية هو التفوق على العدو تماماً وإظهار القوة والقدرة وإحكام السيطرة على المنطقة.