الله ، لما لديهم من التهيؤ الروحي والقابلية.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (١٦)
في هذه الآية ترغيب للمسلمين في الجهاد عن طريق آخر ، حيث تُحمّل الآية المسلمين مسؤولية ذات عبء كبير ، وهي أنّه لا ينبغي أن تتصوروا أنّ كل شيء سيكون تامّاً بادعائكم الإيمان فحسب ، بل يتجلى صدق النية وصدق القول والإيمان الواقعي في قتالكم الأعداء قتالاً خالصاً من أي نوع من أنواع النفاق ، فتقول الآية أوّلاً : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً).
«الوليجة» : مشتقة من «الولوج» ومعناه الدخول ، وتطلق الوليجة على من يُعتمد عليه في الأسرار ومعناها يُشبه معنى البطانة تقريباً.
إنّ الجملة المتقدمة تُنّبه المسلمين إلى أنّ الأعمال لا تكمل بإظهار الإيمان فحسب ، ولا تتجلى شخصية الأشخاص بذلك ، بل يعرف الناس باختبارهم عن طريقين :
الأوّل : الجهاد في سبيل الله لغرض محو آثار الشرك والوثنية.
الثاني : ترك أيّة علاقة أو أيّ تعاون مع المنافقين والأعداء.
فالأوّل لدفع العدو الخارجي ، والثاني يحصّن المجتمع من خطر العدو الداخلي.
وتُختتم الآية بما يدلّ على الإخطار والتأكيد : (وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
فلا ينبغي أن يتصور أحدّ أنّ الله لا يعرف العلائق السرية بين بعض الأفراد وبين المنافقين ، بل يعرف كل شيء جيداً وهو خبير بالأعمال كلها.
(مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (١٧) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسَى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (١٨)