من جملة المسائل التي يمكن أن تراود أذهان البعض بعد إلغاء عهد المشركين والحكم بجهادهم ، هو : لِم نُبْعد هذه الجماعة العظيمة من المشركين عن المسجد الحرام لأداء مناسك الحج ، مع أنّ مساهمتهم في هذه المراسم عمارة للمسجد من جميع الوجوه «المادية والمعنوية» إذ يستفاد من إعاناتهم المهمة لبناء المسجد الحرام ، كما يكون لوجودهم أثر معنوي في زيادة الحاج والطائفين حول الكعبة المشرفة وبيت الله. فالآيتان محل البحث تردّان على مثل هذه الأفكار الواهية التي لا أساس لها ، وتصّرح الآية الاولى منهما بالقول : (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ).
ثم تشير الآية إلى فلسفة هذا الحكم فتقول : (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ).
ولذلك فهي لا تجديهم نفعاً : (وَفِى النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ).
فالله طاهر منزّه ، وينبغي أن يكون بيته طاهراً منزهاً كذلك ، فلا يصح أن تمسّه الأيدي الملوثة بالشرك. أمّا الآيةالتالية فتذكر شروط عمارة المسجدالحرام ـ إكمالاًللحديث آنف الذكر ـ فتبيّن خمسة شروط مهمة في هذا الصدد ، فتقول : (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْءَامَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْأَخِرِ).
وهذا النص إشارة إلى الشرطين الأوّل والثاني اللذين يمثلان الأساس العقائدي.
ثم تشير الآية إلى الشرطين الثالث والرابع فتقول : (وَأَقَامَ الصَّلَوةَ وَءَاتَى الزَّكَوةَ).
أي : إنّ الإيمان بالله واليوم الآخر لا يكفي أن يكون مجرّد ادعاء فحسب ، بل تؤيده الأعمال الكريمة ، فعلاقة الإنسان بالله ينبغي أن تكون قوية محكمة ، وأن يؤدّي صلاته باخلاص ، كما ينبغي أن تكون علاقته بعباد الله وخلقه قوية ، فيؤدي الزكاة إليهم.
وتشير الآية إلى الشرط الخامس والأخير فتقول : (وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ).
فقلبه مليء بعشق الله ، ولا يحسّ إلّابالمسؤولية في امتثال أمره ولايرى لأحد من عبيده أثراً في مصيره ومصير مجتمعه وتقدمه ، هم أقل من أن يكون لهم أثر في عمارة محل للعبادة.
ثم تضيف الآية معقبة بالقول : (فَعَسَى أُولئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ). فيبلغون أهدافهم ويسعون لعمارة المسجد.
أهمية بناء المساجد : وردت أحاديث كثيرة في أهمية بناء المساجد. ففي تفسير المنار عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : «من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتاً في الجنة».