إنّ القرآن المجيد يعلّم أتباعه في الآية محل البحث درساً قيّماً جدّاً ، ويبين واحداً من أبرز مفاهيم التوحيد فيها ، إذ يقول : لا يحق لأيّ مسلم طاعة إنسان آخر دون قيد أو شرط ، لأنّ هذا الأمر مساو لعبادته ، وجميع الطاعات يجب أن تكون في إطار طاعة الله ، وإنّما يصح إتباع الإنسان نظيره متى كانت قوانينه غير مخالفة لقوانين الله ، أيّاً كان ذلك الإنسان وفي أية مكانة أو منزلة.
وفي الآية الثالثه من الآيات محل البحث تشبيه طريف لسعي اليهود والنصارى ، أو سعي جميع مخالفي الإسلام حتى المشركين ، وجدّهم واجتهادهم المستمر «العقيم» الذي لا يعود عليهم بالنفع أبداً ، إذ تقول الآية : (يُرِيدُونَ أَن يُطْفُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
ولا تعبير أبلغ من تعبير القرآن لتجسيد هذه المحاولات اليائسة ، وفي الواقع فإنّ محاولات مخلوق ضعيف إزاء قدرة الله التي لا نهاية لها ، لا تكون أحسن حالاً ممّا ذكرته الآية.
الآية الأخيرة من الآيات محل البحث في نهاية المطاف تزف البُشرى للمسلمين باستيعاب الإسلام العالم بأسره ، وتكمل ما أشارت إليه ـ آنفاً ـ أنّ أعداء الإسلام لن يفلحوا في محاولاتهم ومناوآتهم بوجه الإسلام أبداً ، وتقول بصراحة : (هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
والمقصود من «الهدى» هو الدلائل الواضحة ، والبراهين اللائحة الجلية التي وُجِدت في الدين الإسلامي.
وأمّا المراد من «دين الحق» فهو هذا الدين الذي اصوله حقة وفروعه حقة أيضاً ، وكل ما فيه من تاريخ وبراهين ونتائج حق ، ولا شك أنّ الدين الذي محتواه حق ، ودلائله وبراهينه حقة ، وتأريخه حق جلي ، لابدّ أن يظهر على جميع الأديان.
وبمرور الزمان وتقدم العلم وسهولة الإرتباطات ، فإنّ الواقع سيكشف وجهه ويطلعه من وراء سُدُل الإعلام المضللة ، وستزول كل العقبات والموانع والسدود التي وضعت في طريق انتشار الإسلام.
وهكذا فإنّ دين الحق سيستوعب كل مكان ، ولا يحول بينه وبين تقدمه شيء أبداً ، لأنّ الحركات المضادة للإسلام حركات مخالفة لسير التاريخ وسنن الخلق.