أوّلاً : إنّهم كتموا حقائق التعاليم التي جاء بها موسى عليهالسلام في توراته وعيسى عليهالسلام في إنجيله ، لئلا يميل الناس إلى الدين الجديد ، «الدين الإسلامي» فتنقطع هداياهم وتغدو منافعهم في خطر ، كما أشارت إلى ذلك الآيات (٤١) و (٧٩) و (١٧٤) من سورة البقرة.
والثاني : إنّهم بأخذهم «الرشوة» كانوا يقلبون الحق باطلاً والباطل حقاً ، وكانوا يحكمون لصالح الأقوياء ، كما أشارت إلى ذلك الآية (٤١) من سورة المائدة.
ومن أساليبهم غير المشروعة في أخذ المال هو ما يسمّى ب «صكوك الغفران وبيع الجنة» فكانوا يتسلمون أموالاً باهظة من الناس.
وأمّا صدّهم عن سبيل الله فهو واضح ، لأنّهم كانوا يحرفون آيات الله ، أو أنّهم كانوا يكتمونها رعاية لمنافعهم الخاصة.
وتعقيباً على موضوع حب اليهود والنصارى لدنياهم وأكل المال بالباطل ، فإنّ القرآن يتحدث عن قانون كلي في شأن أصحاب المال وذوي الثراء ، الذين يكنزون أموالهم ، فيقول : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللهِ فَبَشّرهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).
فالآية محل البحث تحرم الكنز وجمع المال ، والثروة ، وتأمر المسلمين أن ينفقوا أموالهم في سبيل الله وما فيه نفع عباد الله ، وأن يتجنبوا كنزها ودفنها وإبعادها عن تحرك السوق ، وإلّا فلينتظروا «العذاب الأليم».
وهذا العذاب الأليم ليس جزاءهم في يوم القيامة فحسب ، بل يشملهم في الدنيا ـ لإرباكهم الحالة الاقتصادية ولإيجاد الطبقية بين الناس «الفقير والغني» أيضاً.
متى يعدّ جمع الثروة كنزاً؟ وفق كثير من الروايات أنّه يجب على الإنسان دفع زكاته سنوياً لا غير ، فإذا دفع الإنسان زكاة سنته فلا يكون مشمولاً بحكم الكنز وإن جمع المال؟
ففي تفسير المنار عن ابن عباس قال : لمّا نزلت هذه الآية (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) كبر ذلك على المسلمين وقالوا : ما يستطيع أحد منا لولده ما لا يبقى بعده ، ثم سألوا النبي صلىاللهعليهوآله فقال : «إنّ الله لم يفرض الزكاة إلّاليطيب بها ما بقي من أموالكم ، وإنّما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم».
إلّا أنّنا نقرأ روايات اخرى في المصادر الإسلامية لا تنسجم ظاهراً ـ ولأوّل وهلة ـ والتفسير الآنف الذكر ، ومنها ما ورد ـ في تفسير مجمع البيان ـ عن الإمام علي عليهالسلام أنّه قال : «ما زاد على أربعة آلاف (١) فهو كنز أدّى زكاته أو لم يؤدّ ، وما دونها فهو نفقة».
__________________
(١) المقصود بها أربعة آلاف درهم لأنّها مخارج السنة.