والتعبير ب «كتاب الله» إشارة إلى كتاب الخلق وعالم الوجود.
فمنذ ذلك اليوم الذي استقرت عليه المجموعة الشمسية بنظامها الخاص حدثت السنين والأشهر ، فالسنة عبارة عن دوران الأرض حول الشمس دورة كاملة والشهر دوران القمر حول الأرض دورة كاملة.
ثم تضيف الآية ـ آنفة الذكر ـ معقبّة : (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ).
ثم تضيف الآية مؤكّدة : (ذلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ).
ويستفاد من بعض الروايات أنّ تحريم القتال في هذه الأشهر الحرم ، كان مشرّعاً في الديانة اليهودية والمسيحية وسائر الشرائع السماوية ، إضافة إلى شريعة إبراهيم الخليل عليهالسلام.
ثم تقول الآية : (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ).
إلّا أنّه لما كان تحريم هذه الأشهر قد يتخذ ذريعة من قبل العدو لمهاجمة المسلمين فيها ، فقد عقبت الآية بالقول : (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً). فبالرغم من أنّ هؤلاء مشركين ، والشرك أساس التشتت والتفرقة ، إلّاأنّهم يقاتلونكم في صف واحد «كافة» فينبغي عليكم أن تقاتلوهم كافة ، فذلك منكم أجدر لأنّكم موحدون فلابد من توحيد كلمتكم أمام عدوكم ولتكونوا كالبنيان المرصوص.
وتختتم الآية بالقول : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
وفي الآية الثانية ـ من الآيتين محل البحث ـ إشارة إلى إحدى السنن الخاطئة في الجاهلية ، وهي سنة النسيء «تغيير الأشهر الحرم» إذ تقول الآية : (إِنَّمَا النَّسِىءُ زِيَادَةٌ فِى الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) ففي أحد الاعوام يقرّرون حليّة الشهر الحرام ويحرمون أحد الأشهر الحلال للمحافظة على العدد أربعة (يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ). فهؤلاء يضيعون بتصرفهم هذا فلسفة تحريم الأشهر ، ويتلاعبون بحكم الله بحسب ما تمليه عليهم أهوائهم ، والعجيب أنّهم يرضون عن عملهم ، وفعلهم هذا كما تقول الآية : (زُيّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ). فهم يغيرون الأشهر الحرم ويبدلونها ، ويعدّون ذلك تدبيراً لحياتهم ومعاشهم ، أو يتصورون أنّ طول فترة إيقاف القتال يقلل من حماس المقاتلين فلابد من إثارة الحرب.
فالله سبحانه إذا علم أنّ في عباده من ليس أهلاً للهداية والتوفيق ، خلاه ونفسه : (وَاللهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).